حلب تُشعل شعلة الأمل: معركة سوريا الجديدة ضد جيوب الفقر

شبكة مراسلين
تقرير: وليد شهاب
في زحمة الأيام التي عانت فيها سوريا ويلات الحرب، تطلّ حلب اليوم بوجه جديد، حاملَةً رسالةً مختلفةً للشعب السوري: “لن يكون الفقرُ آخرَ أعدائنا”. بتلك الكلمات، افتتح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، فصلًا جديدًا من تاريخ البلاد، خلال كلمته في فعالية “حلب مفتاح النصر”، التي جاءت لتكريم أبناء المدينة الذين قدّموا أغلى ما لديهم في معركة تحريرها.
من ساحات القتال إلى جبهة التنمية
وسط حشد من أهالي حلب، وقف الرئيس الشرع ليعلن انتهاء حقبة الصراع المسلح، وبدء معركةٍ لا تقل شراسةً، لكنها هذه المرة تُخاض ضد عدوٍ صامتٍ ينهش في جسد المجتمع السوري: الفقر. “كانت حلب مفتاح النصر العسكري، واليوم ستكون منارة الانتعاش الاقتصادي”، قال الرئيس، مستذكرًا اللحظات التي حذّره فيها البعض من دخول المدينة أثناء المعارك، ليردّ بقناعة راسخة: “ما من فتح أعظم من حلب، وما من نصر يُعادلها.
لم تكن كلمات الشرع مجرد خطابٍ عابر، بل حملت بُعدًا استراتيجيًا يعكس تحولًا جذريًا في أولويات المرحلة القادمة. فبعد سنواتٍ من العقوبات الاقتصادية التي أنهكت المواطنين، وجدت سوريا نفسها أمام فرصة تاريخية لإعادة البناء، خاصةً بعد رفع تلك العقوبات مؤخرًا. “الاستقرار لم يعد حلماً، بل واقعًا نصنعه بأيدينا”، هكذا وجّه الرئيس دعوته إلى السوريين، حاثًّا إياهم على التكاتف في معركةٍ يكون سلاحها الأول هو الإرادة والعمل الجاد.
الفقر: الوجه الآخر للأزمة السورية
لكن الطريق إلى الانتعاش لن يكون مفروشًا بالورود. فخلف خطابات الأمل، تكشف الأرقام قسوة الواقع الذي يعيشه السوريون. وفقًا لتقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تسعةً من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعتمد ثلاثة أرباع السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. أما البطالة، فقد تحوّلت إلى ظاهرةٍ مزمنة، حيث يُعاني ربع القوى العاملة من عدم وجود فرصٍ كافية لتأمين لقمة العيش.
ولعلّ أخطر ما في هذه الأزمة هو تداعياتها الاجتماعية التي لا تقتصر على الجوع أو العوز المادي، بل تمتدّ إلى تفكيك النسيج المجتمعي نفسه. الدكتور طلال مصطفى، أستاذ علم الاجتماع في دمشق، يصف الوضع بأنه “تفاوت حاد” بين أقلية تمتلك كل شيء، وأغلبية تكافح من أجل البقاء. “عندما يُحاصر الناس بالفقر، تتحول اليأس إلى وقودٍ للجريمة”، يقول مصطفى، مشيرًا إلى الارتفاع الكبير في معدلات السرقة والخطف والاحتيال، والتي جعلت سوريا تحتل المرتبة الأولى عربيًا في مؤشر الجريمة العالمي.
ولا تقف التداعيات عند هذا الحد. ففي ظل غياب الأمل، يضطر العديد من العائلات إلى خياراتٍ قاسية، مثل دفع أطفالها إلى سوق العمل أو التسول. هذه الظواهر ليست مجرد أعراضٍ لأزمة اقتصادية عابرة، بل إنها تهدد بخلق جيلٍ كاملٍ محرومٍ من التعليم والصحة، مما يزيد من تعقيد أزمات المستقبل.
هل يُمكن لحلب أن تكون البداية؟
رغم كل هذه التحديات، فإن كلمة الرئيس في حلب حملت بذورًا للأمل. فالمدينة التي كانت يومًا ساحةً لأشرس المعارك، يُمكنها أن تتحول إلى نموذجٍ للنهوض الاقتصادي. “سنُعيد إعمار حلب بحجرٍ وحلمٍ وإصرار”، وعد الشرع، مشيرًا إلى أن المدينة ستصبح قطبًا اقتصاديًا يجذب الاستثمارات ويخلق فرص العمل.
لكن النجاح في هذه المعركة لن يعتمد على الخطابات وحدها، بل على سياساتٍ حقيقيةٍ تُترجم الكلمات إلى أفعال. فتحسين البنية التحتية، ودعم المشاريع الصغيرة، وإصلاح النظام التعليمي، وتوفير الرعاية الصحية، كلها خطواتٌ لا بد منها لضمان أن يكون الانتعاش شاملاً وعادلاً.
وفي ختام كلمته، اختار الرئيس الشرع أن يُذكّر السوريين بشعارٍ لطالما رفعه خلال مسيرته: “لا نريح ولا نستريح حتى نُعيد بناء سوريا من جديد”. ربما تكون المعركة ضد الفقر أطول وأصعب من أي مواجهةٍ عسكرية، لكنها، في النهاية، المعركة التي ستحدد مصير الأجيال القادمة. والسؤال الآن هو: هل ستكون حلب، كما كانت دائمًا، مفتاح هذا النصر أيضًا؟.