قصة عبد الستار عزالدين – معلمٌ حمل الأمل وسط الركام

إعداد: شريف فارس – مراسلين
البداية والنشأة
في قلب مدينة حلب، وبين ركام الحرب وذكريات الخوف، برزت شخصية المعلم عبد الستار عزالدين، المولود عام 1976 في حي باب المقام قبل أن ينتقل لاحقًا إلى حي المشهد. رغم أن الثورة السورية حرمته من متابعة دراسته العليا بعد التحاقه بمعهد إعداد المعلمين، إلا أنه لم يتوقف عن حمل رسالته التربوية والإنسانية.
الثورة: اختبار الإرادة
مع انطلاق الثورة، لم يكن عبد الستار مجرد شاهد على الأحداث؛ بل كان واحدًا ممن اختبروا معنى الثبات وسط العاصفة. بين القصف والنزوح والموت، رأى في وسط الركام شعاع أمل صغير دفعه للاستمرار. بالنسبة له، الصمت كان خيانة، فاختار أن يقف إلى جانب الناس، مجندًا نفسه للإغاثة والتعليم.

مدارس من قلب الرماد
عام 2013، أسّس عزالدين عدة مدارس وروضات في المناطق المحررة، مثل مدرسة المؤمنين ومدرسة الفاروق وروضة براعم الثورة وروضة نور الحق. لم تكن تلك المدارس أكثر من جدران متواضعة، لكن القلوب التي جمعتها كانت مشتعلة بالإرادة. أراد أن يغرس في نفوس الأطفال قيم الحرية والوعي والعدل.
بالتوازي مع ذلك، عمل مع فرق تطوعية لتأمين الغذاء والدواء للنازحين، متعاونًا مع منظمات مثل People in Need وأركانوفا ويد بيد. كما تولى إدارة جمعية الزنكي الخيرية. لم يحمل السلاح يومًا، بل حمل الدفاتر والأدوية، مؤمنًا أن الكلمة الطيبة قد تكون أقوى من الرصاص.

بين السرية والعلنية
كان يتنقل بين مناطق النظام والجيش الحر بحذر شديد، مستخدمًا اسمًا مستعارًا “أبو محمد”. وزع الطعام والدواء بصمت، من دون صور أو شهرة، واضعًا المصلحة العامة فوق أي اعتبار. لكن الظروف كانت قاسية: نقص الموارد، انقطاع الكهرباء، ندرة الكتب، والخوف الدائم. ومع ذلك، لم يكن وحده؛ فقد التف حوله شباب وشابات من أبناء المنطقة، فشكّلوا معًا فريقًا يعمل بروح جماعية.
بعد استعادة النظام السيطرة
حين استعاد النظام السيطرة على حلب، رفض مغادرة مدينته. ظل يتنقل بين البيوت متجنبًا العيون، لكن العودة إلى الأحياء بدت كعودة غريب إلى مدينة فقدت ذاكرتها. حاول العودة إلى التعليم، لكن مديرية التربية عاملته كـ”عائد من الضفة الأخرى”. تعرض للتهميش والمراقبة حتى أُقصي تمامًا. حتى تجربته في الترشح لانتخابات مجلس الشعب انتهت كمعركة خاسرة وسط المحسوبيات، بعدما حُسمت النتائج في الغرف المغلقة لا في صناديق الاقتراع.
فرحة التحرير
مع سقوط النظام البائد، استقبله التحرير بفرحة لا تُوصف، كتحررٍ من خوفٍ أثقل روحه لسنوات. لكنه سرعان ما اكتشف واقعًا مختلفًا؛ تم تهميشه من جديد لصالح آخرين يملكون الولاء لا الخبرة. ومع ذلك، ظل الأمل حيًا، فبفضل شهادات الأهالي والطلاب الذين لمسوا أثره، عاد اسمه للواجهة. وفي يوم لا ينساه، عاد إلى الصف.
العودة إلى السبورة
كانت عودته لحظة فارقة؛ السبورة لم تعد مجرد وسيلة شرح، بل منصة مقاومة. كل طالب أمامه كان مشروع وطن، وكل درس لبنة في بناء مستقبل.
العبرة
قصة عبد الستار عزالدين تلخص رحلة معلمٍ لم يستسلم للظروف. علّمته التجربة أن العمل الصادق لا يضيع، حتى لو غُطي بالتراب لسنوات. قد يُقصى ويُهمَّش ويُنسى، لكن ما زُرع في القلوب لا يموت. بالنسبة له، المعلم الحقيقي ليس موظفًا، بل صاحب رسالة يقاوم بالعلم كما يقاوم الآخرون بالسلاح.




