
شبكة مراسلين
مقال بقلم: محمد سعد الأزهري
مما عمت بسببه الأوجاع وتلاقت فيه المآسي تلك الحالة النفسية العاصفة التي فاجأت كل المغتربين والمهاجرين والهاربين واللاجئين فجأة ودون إنذار أو تمهيد أو تدريب.
لقد حدث الأمر عكس ما تكون عليه الكوابيس فالنائم الذي يرى كابوسأ مؤلما مخيفا يستيقظ منه بعد لحظات ليكمل حياته كأن شيئا لم يحدث أو يكن، لكن حالة المغتربين وطيف سميرة وأنين الحنين الذي يزعجهم وصوت الحرمان الذي يقض مضاجعهم جميعا يحدث بالعكس.
فكل رب أسرة يأنس بعائلته ويتعافى برؤية أبنائه ويتقوى بمشاركة عائلته لكن وفجأة كانت الهزة التي بعثرت العائلات وفرقت شمل الأسر وقطعت أواصر المجتمع نام الجميع مجتمعين منذ ١٣ عام واستيقظوا على شتات وتمزق وفرقة وتيه وزهول لم يفق منه الغالبية العظمى دون مبالغة.
وأقصد بالغالبية العظمى نسبة ٩٩.٩٩% ممن انقلب حالهم وتاهت بوصلتهم وانحرفت سفينة حياتهم وتقلصت مواردهم وخسروا الجزء الأكبر والأهم من تاريخهم وانتفض الجميع في مخادعهم وأسرتهم على أنين الحنين ولوعة الحرمان وطيف سميرة التي كانت تأتي وزير الدفاع (الحقانية) الجنرال محمود سامي البارودي والذي انقلب حاله ونفي عن بلاده وانفصل عن عائلته وأولاده حيث ألقوا به في جزيرة تابعة لإدارة المستعمرات البريطانية بعد الانقلاب العسكري الذي تم عليهم فكانت ابنته سميره ترسل طيفها إليه كل ليلة حتى سجل زياراتها المتكررة له في قصيدة تدرس في الأدب العربي وكنا ندرسها ولا نفهم كلماتها حتى ذقنا مرارة الفراق وعذاب الحرمان وبؤس الوحدة وشؤم العزلة وظلام الليالي الموحشة التي ترسل بذكريات الماضي المشرق على تلال الحاضر المؤلم والمؤذي فكان يقول:
أتاني طيف من سميرة زائر
وما الطيف إلا ما تريه الخواطر
الآن والآن فقط وخلال الثلاثة عشر العام المظلمة والكئيبة والخائبة التي مرت رأينا كيف تشوهت أرواح وضعفت أجسام وتاهت عقول وكلت همم ومرضت عزائم واختلفت النظرات واختفت البسمة وحلت الكآبة وانعدمت الفرحة وكثر البكاء وانصدعت الأفئدة وتكاثرت على العقول الأسئلة يا الله هل لهذا الليل أن ينقشع برده وظلامه وقسوته ووحشته هل للشمل أن يجمع وللفؤاد أن يهدأ وللقلب أن يستريح.
كل هذا الحال بسوئه ومرارته التي تختلط في الكلمات وتحتار في وصفه الجمل حتى أننا نفيق كل ليلة على أنين الحنين والشوق والغربة ويجيب طيف سميرة الذي يزور كل والد في مخدعه ويقلق نومه ويحزن قلبه ويتعس ايامه ولياليه ويتعب مشاعره ويهد قواه ويفت عزمه ويشغل فكره.
ياالله ما أثقلها من ساعات وما أشقاها من مشاعر، هذه حالة الإنسانية ووضع الإنسان ومآل حال الأسر والعائلات ومع ذلك ترى الكتاب وأصحاب الأقلام ورؤساء ورؤساء الاحزاب والساسة والمثقفين والمهتمين بالشأن العام يكتبون ويردد الجميع مصطلحات ويكتبون في مواضيع حول مآلات السياسة ومعايير الحكم وجودة الحياة وإعمار المدن وإعادة هيكلة الدواوين، لمن كل هذا والإنسان مهلوك ومقهور وضائع في تيه الغربة واللجوء وظلمات السياسة في كل دولة وتحت كل نظام ووفق رؤية كل حزب .
يا سادة بناء الإنسان هو عمارة الحياة،
تشافي الأرواح هو إعادة بناء صرح الحضارة،
تعافي الأفئدة هو أفضل معايير جودة الحياة،
لم شمل الأسر والعائلات هو أعظم هيكلة للمجتمع،
علاج النفوس المجروحة والأرواح المذبوحة والقلوب المكلومة هو عين إعمار المدن.
أنادي كل حر، كل عاقل، كل مدير، كل مسئول، كل راعي، كل واعي، الإنسان قبل كل شيء، الأسرة عماد كل شيء، العائلة سند كل شيء، ولذلك أنوح مع أنين الغربة وأنا أمسك طيف آمنة الذي أتاني بديلا عن طيف سميرة البارودي:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
وحولي زهرة روحي وبلسم فؤادي وفلذات قلبي وسعادة دنياي.
هذا هو أنين كل مغترب وصوت كل مظلوم وصياح كل مكلوم ونداء كل أب وأم وولد وبنت.
ناح به وأن.