دمشق تشن هجومًا سياسيًا على مؤتمر “قسد” وتُعلن مقاطعة محادثات باريس

شبكة مراسلين
بقلم: وليد حسين شهاب
في تصريح رسمي نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا”، أكد مصدر حكومي رفيع المستوى أن حق المواطنين السوريين في التعبير السلمي والحوار الوطني مكفول دستورياً، لكنه شدد على أن أي تجمع أو فعالية سياسية يجب أن تتم في إطار المشروع الوطني الجامع، الذي يحافظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادةً.
وجاء التصريح ردا على مؤتمر “وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا”، الذي نظمته “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مدينة الحسكة، بحضور مئات الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية.
وأوضح المصدر أن الجماعات الدينية والقومية لها الحق في طرح رؤاها السياسية وتشكيل الأحزاب وعقد الاجتماعات، شرط الالتزام بالقوانين السورية وعدم حمل السلاح ضد الدولة أو محاولة فرض رؤية أحادية على النظام السياسي. وأضاف أن شكل الدولة لا يُحدد عبر مؤتمرات مغلقة أو تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يُقرّ باستفتاء شعبي شامل يضمن مشاركة جميع السوريين دون استثناء.
مؤتمر الحسكة: تحالف هش أم مشروع انفصالي؟
وصف المصدر المؤتمر بأنه ليس إطاراً وطنياً جامعاً، بل تحالفاً هشاً يضم أطرافاً متضررة من انتصارات الجيش السوري، إضافة إلى شخصيات تعمل بدعم خارجي لاحتكار تمثيل المكونات السورية. وأكد أن استضافة شخصيات متورطة في أعمال عدائية أو ذات خلفية انفصالية يشكل انتهاكاً صريحاً لاتفاق 10 آذار، الذي ينص على دمج جميع المؤسسات العسكرية والمدنية في الشمال السوري تحت مظلة الدولة السورية.
كما انتقد المصدر الطروحات التي تم تداولها خلال المؤتمر، مثل الدعوة إلى تشكيل “جيش وطني جديد” أو تعديل الخريطة الإدارية، معتبراً أنها محاولة لتكريس الانقسام وفرض سياسة الأمر الواقع. وأشار إلى أن هذه الخطوة تمثل إهداراً لفرص الحوار وتنفيذ استحقاقات وقف إطلاق النار، فضلاً عن كونها غطاءً لسياسات التغيير الديمغرافي الممنهجة ضد العرب في المنطقة.
دمشق تُحذّر من تدويل الأزمة وتُعلن مقاطعة باريس
في إشارة إلى الدور الدولي، حذر المصدر من أن المؤتمر يمثل محاولة لتدويل القضية السورية وجلب المزيد من العقوبات، داعياً الوسطاء الدوليين إلى نقل المفاوضات إلى دمشق كـ”العنوان الشرعي الوحيد” للحوار بين السوريين. وأعلن أن الحكومة السورية لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في العاصمة الفرنسية، ولن تجلس مع أي طرف يسعى إلى إحياء “تركة النظام البائد” تحت أي مسمى.
من جهته، دعا المصدر “قسد” إلى الالتزام الجاد باتفاق 10 آذار والانخراط في مسار دمشق، بدلاً من تبني أجندات خارجية تخدم مصالح جهات أجنبية. كما طالب العشائر العربية والمكونات المحلية بعدم الانجرار وراء “المؤتمرات المفتعلة”، التي لا تعبر عن إرادة الشعب السوري.
مقاطعات داخلية وتأييد محدود
على الأرض، شهد المؤتمر مقاطعة واضحة من قبل المجلس الوطني الكردي وعشائر عربية بارزة، حيث أعلن مسؤول كردي أن الدعوة جاءت دون تنسيق مسبق، مؤكداً أن المجلس لا يعترف بـ”قسد” أو إدارتها الذاتية. من ناحية أخرى، اعتبر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء، حكمت الهجري، أن المؤتمر يمثل “نداءً للضمير الوطني”، داعياً إلى شراكة حقيقية بين جميع المكونات.
لكن المراقبين لاحظوا أن الخطاب الرسمي السوري يحاول إعادة ترسيم الحدود بين “المشروع الوطني” و”الأجندات الانفصالية”، في وقت تشهد فيه المنطقة تحركات سياسية وعسكرية متسارعة، قد تُعيد تشكيل خريطة التحالفات في شمال شرق سوريا.
معركة سياسية على خلفية عسكرية
تبدو دمشق مصممة على تصوير مؤتمر الحسكة كمحاولة فاشلة لخلق شرعية بديلة، بينما تسعى “قسد” إلى تقديم نفسها كممثل شرعي للمكونات المحلية. لكن غياب توافق داخلي حقيقي، وتباين المواقف الإقليمية والدولية، يجعل من الصعب تصور أي تقدم في المسار السياسي دون عودة الجميع إلى طاولة الحوار تحت سقف الدولة السورية. في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن تحويل الصراع من المعارك العسكرية إلى سجال سياسي يضمن حقوق الجميع، أم أن المنطقة مقبلة على جولة جديدة من التصعيد، تُعيد إنتاج الأزمات بدلاً من حلها؟