في ذكرى رحيل العندليب.. هذا ما سعى إليه وتمناه ولم يحققه

تحل اليوم الخميس الذكرى السادسة والأربعين لوفاة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذي توفي يوم 30 مارس 1977، بعد تدهور حالته الصحية وإصابته بنزيف لم يتمكن الأطباء البريطانيون من السيطرة عليه ووقفه.
الحب الأخير في حياة عبد الحليم
“أقسم بالله العظيم يمين اسأل عليه يوم القيامة أنني لم أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها”، بهذه الطريقة أقسم الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في مذكراته ليثبت حبه لفتاة أطلق عليها في مذكراته التي كتبها في يناير 1973 أثناء وجوده في أكسفورد للعلاج، والتي أوصى بعدم نشرها إلا بعد وفاته.
وبحسب صحيفة “الدستور” كشف “العندليب” في مذكراته عن “ليلى” ليس هو الاسم الحقيقي لهذه الفتاة التي يجب أن يظل اسمها سرًا، وكانت بالنسبة إليه أمًا، قال:”كأنني ولدت في عينيها لتصبح أمي، وكأني حضرت إلى القاهرة لأعيش كل ما مضى من العمر لألتقي بها”.
التقى “حليم” بهذه الفتاة في الإسكندرية في لقاء جمع بين العديد من الفنانين، وتعرف عليها أثناء جلوسها في الكابينة المقابلة للكابينة التي يجتمع فيها مع أصدقاءه، وعندما اقترب منها تذكر للحظة أنه رآها في محل “هارودز” بلندن.
وقرر “حليم” أن يتزوجها، لكنه عرف طريق الشهرة التي منعته من أن يسير معها في الشارع، أو يرتاد معها السيارة، حيث كانا يلتقيا في سينما “سان استيفانو” كل مساء، ويلتقيان سرًا.
اتفقا على الزواج في شقة بالقاهرة، وبدأ في تأسيسها، في الوقت الذي كانت محاولات “ليلى” في طلاقها من زوجها الذي تركها، لكن طلبات الزوج القاسية حالت دون الطلاق، خاصة وأنها لا تستطيع أن تتخلى عن أولادها، وطلب منها “حليم” العودة لزوجها وغنى لها “بتلوموني ليه، لو شوفتم عينيه”.
وبعد مرور السنوات، التقى “حليم ” بها في مطار “أورلي” وأخبرته أنها قد انفصلت عن زوجها والطلاق قد تم، فتجدد وعد الحياة سويًا مرة أخرى، لكن الحياة لم تمهلهما، فقد أصيبت هي بفيروس خطير في المخ، وأثناء تنقله بين باريس وأمريكا لعلاجها، سيطر عليها المرض حتى ماتت.
حبيبتي من تكون
ولعل “أغنية حبيبتي من تكون” من أشهر هذه الأغاني التي ظهرت بعد وفاة العندليب بعدة سنوات، وهي من كلمات الأمير السعودي خالد بن سعود، وألحان الموسيقار بليغ حمدي، وتم طرحها على أسطوانات “صوت الفن” في 30 مارس 1981.
وقصة هذه الأغنية بدأت عندما عرض الأمير خالد على عبد الحليم كتابا شعريا من مؤلفاته، وطلب منه أن يختار قصيدة لغنائها، وجذبت قصيدة “من تكون” اهتمام حليم، وطلب منه أن يأخذها ليغنيها مع بعض التغييرات في الكلمات والعنوان، فوافق الأمير السعودي مبدئيا على ذلك.
وكلف العندليب صديقه الملحن بليغ حمدي بتلحينها، وسجلها بصوته مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن، لكن اختلفت وجهات النظر بينه وبين الأمير خالد حول جهة الإنتاج، واشترط العندليب أن تخرج الأغنية من شركة “صوت الفن” التي كان يديرها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وشريكه المحامي مجدي العمروسي، لكن الأمير خالد لم يرسل التنازل المطلوب، فقرر عبد الحليم عدم إكمال مونتاج الأغنية، مما أدى إلى عدم طبعها على أسطوانات أو أشرطة كاسيت، وعدم إذاعتها عندما كان على قيد الحياة.
وبقيت الأغنية حبيسة الأدراج، وبعد وفاة العندليب بسنوات، سأل المؤلف خالد بن سعود المحامي مجدي العمروسي عن الأغنية وطلب منه إخراجها لتجد النور، فاشترط العمروسي أن تقوم شركة صوت الفن بإنتاجها بحسب رغبة العندليب، ووافق المؤلف على ذلك.
وروى العمروسي -في لقاء تلفزيوني قبل رحيله- القصة الكاملة للأغنية، وقال إن شريط القصيدة كان عند كبير مهندسي الصوت في مصر نصري عبد النور الذي كان عبد الحليم لا يسجل أغانيه إلا معه، وبقي معه 6 سنوات.
وأضاف العمروسي أنه ذهب لنصري عبد النور وسأله عن الشريط، ورد عليه أنه موجود لكنه يحتاج موافقة من رئيس مجلس أستوديو مصر، فذهب إليه وقال إنه يوافق على إعطائه الشريط بعد تصفية الحسابات التي كانت تقدر بنحو 10 آلاف جنيه حينها، وطلب 20 ألف جنيه أخرى، “فوافقت ودفعت له 30 ألف جنيه”.
وأشار إلى أنه حين سمع الأغنية وجد مقدمتها قصيرة، فطلب من الموسيقار الراحل بليغ حمدي أن يؤلف مقدمة موسيقية طويلة لكي تصلح الأغنية أن تكون قصيدة مستقلة على كاسيت، ثم تم المكساج أو الدمج الصوتي مع عزف الفرقة الماسية الذي أدخل على الأغنية.
وأضاف أنه تم بعد ذلك الاتصال بالأمير خالد لأخذ تنازل منه والتصريح بتقديمها دون مقابل، فوافق على ذلك لأن ما كان يهمه هو أن يغني عبد الحليم قصيدة له بصوته.
وقال العمروسي إن شركة صوت الفن طبعت الأغنية على كاسيت وأنزلتها إلى الأسواق بعد سنوات من رحيل العندليب، وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا فاق كل التوقعات، ولا تزال تحقق هذا النجاح، مشيرا إلى أن عبد الحليم أداها بإحساس صادق وأعطى كلماتها قيمة كبيرة.
وأشاد النقاد وقتها بأداء حليم اللافت، وتعبيره الصادق عن معاني كلمات الأغنية.
أذان المغرب
حاول الفنان عبدالحليم حافظ تسجيل أذان المغرب خلال شهر رمضان في فترة الستينيات.
وكشفت مجلة “الكواكب” لعام 1965 عن محاولة “العندليب” تسجيل الأذان، على أن يتم إذاعته في ليلة القدر خلال شهر رمضان.
كما تقرر وقتها أن يتم إذاعة الأذان بصوت “العندليب” طوال أيام شهر رمضان، وكانت هي المرة الأولى التي يُذاع فيها أذان المغرب بصوت مطرب معروف.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها الفنان عبدالحليم حافظ بمناسبة شهر رمضان، فقد سبق وأن سجل حوالي 11 دعاءً دينيًا، منها “نفضت عينيا المنام”، “أنا من تراب”، “على التوتة”، “أدعوك يا سامع”، “ورحمتك في النسيم”، “بينى وبين الناس”،” والحبة في الأرض” “خلينى كلمة”،”ورق الشجر”، “بين صحبة الورد”، “يا خالق الزهرة “.
وكان العندليب الأسمر قد كشف في مذكراته عن حكاية جده الذي كان إمام مسجد القرية، بالإضافة إلى حفظه للقرآن الكريم كاملًا، ووصف صوته بأنه “تصمت له الطير”، عندما يتلو آيات من القرآن الكريم.
يذكر أن الفنان عبدالحليم حافظ لم يتقاض أجرًا على أغانيه الدينية، وكان يعتبرها بمثابة صدقة جارية، بعدما داهمه المرض بصورة قوية، وشعر بدنو أجله، فبدأ يتقرب إلى الله بهذه الأدعية والابتهالات الدينية، كما كان يعتبر الأجور التي يسددها للملحنين والعازفين والكُتاب بمثابة أيضًا تقرب إلى الله.
بروفات نادرة
ولا يقتصر الأمر على الأغاني التي سجلها حليم بصوته، بل تعدى ذلك حتى لبعض بروفات أغان كان يحضر لإطلاقها أو غناها سابقا وظهرت بعد وفاته، مثل بروفة أغنية “من غير ليه” التي كتبها الشاعر مرسي جميل عزيز ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وغناها بنفسه بعد أكثر من 10 سنوات من وفاة العندليب، وبروفة أغنية “حبيبها” التي كان يستعد لتقديمها أثناء إحدى حفلاته في تونس، وغيرها.
كما ظهرت بعد وفاته تسجيلات قراءاته لبعض القصائد التي كان يحضّر لتقديمها إلى جمهوره، أبرزها قصيدة “أحلى خبر” للشاعر نزار قباني.