أخبارتقارير و تحقيقات

الجيش والمجتمع الإسرائيلي: غياب الثقة في حروب التيه

إعداد: أبوبكر خلاف
مركز زاد للدراسات الاستراتيجية

🔹 مقدمة

في ليلة الخامس من يونيو 2025، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن انطلاق عملية “עם כלביא” (الاسد الشجاع)، وهي ضربة جوية واسعة النطاق استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، وُصفت بأنها الأعنف منذ عشرين عامًا. ووفق مصادر رسمية إسرائيلية، شارك في العملية أكثر من 120 طائرة حربية، بدعم استخباراتي من أجهزة غربية وإقليمية، وتم استهداف مواقع في أصفهان، أراك، بوشهر، وطهران.

ورغم حالة النشوة الإعلامية المصاحبة للعملية، أظهرت المؤشرات الميدانية أن الإنجاز العسكري – وإن كان كبيرًا – لم يكن كافيًا لتبديد أجواء القلق في الجبهة الداخلية، ولم ينجح في ترميم الثقة المفقودة في أعقاب الفشل الأمني الكبير في هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي أودى بحياة نحو 1,200 إسرائيلي، وأدى إلى أسر أكثر من 250 رهينة.

في هذا السياق، تبرز تساؤلات جوهرية:
هل تمكّن الجيش من استعادة ثقة المجتمع؟ هل العملية ضد إيران تُمثل تحولًا استراتيجيًا أم مجرّد مكسب تكتيكي؟ وكيف تنعكس هذه العملية على مسار الحرب المفتوحة في قطاع غزة؟


🔹 1. فجوة التصوّر بين جبهتَي إيران وغزة

بينما احتفى الإعلام الإسرائيلي الرسمي (قناة 12، هآرتس، يديعوت أحرونوت) بـ”الضربة الدقيقة في العمق الإيراني”، كان هناك استياء شعبي من استمرار التعثر في غزة. فقد أظهرت استطلاعات معهد الديمقراطية الإسرائيلي (يونيو 2025) أن:

  • 62% من الإسرائيليين يرون أن الحكومة “لم تُبلور بعد” خطة واضحة للخروج من الحرب في غزة.
  • 58% عبّروا عن اعتقادهم بأن “الجيش يفضل جبهة إيران على حسم المعركة في الجنوب”.

هذه الفجوة عززت خطابًا داخليًا قديمًا حول “الجيش الطبقي” – أي تفضيل سلاح الجو والتكنولوجيا على وحدات الميدان، وهو ما أعاد للواجهة النقاش حول تمييز مؤسسي داخل الجيش.

إسرائيل خرجت من الضربة ضد إيران أقوى عسكريًا، لكنها أضعف مجتمعيًا. هذه المفارقة تُلزم المؤسسة السياسية والعسكرية بمراجعة عميقة: ليس فقط لكيفية إدارة الحرب، بل لكيفية مخاطبة المجتمع وتوحيده خلف رؤية واضحة، لا قائمة على الضربات النوعية فقط، بل على مشروع وطني متماسك يربط بين الأمن، السياسة، والعدالة الاجتماعية.


🔹 2. ثمن مدني مرتفع وقلق من جولة جديدة

في غضون ثلاثة أيام فقط من التصعيد الإيراني المضاد، قُتل 18 مدنيًا إسرائيليًا في هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على تل أبيب ونتانيا، وأُصيب أكثر من 140 آخرين، بحسب نجمة داوود الحمراء.

هذا الثمن الفادح دفع الرأي العام للتساؤل:
هل الجبهة الداخلية قادرة على تحمّل جولة أخرى من الحرب؟ وهل كانت إسرائيل مستعدة بالفعل لمثل هذه العملية؟

وبحسب مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، فإن “الجيش لم يضع تصورًا لردود الفعل الداخلية المحتملة في حال استمرار العمليات في جبهات متعددة، ما قد يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الداخل”.


🔹 3. نجاح عسكري مقابل أزمة ثقة قيمية

صحيح أن العملية في إيران حققت نجاحًا تقنيًا، لكن المشكلة الأعمق تكمن في أزمة الثقة القيمية. فرغم التصريحات العسكرية الإيجابية، تشير تقارير إعلامية (قناة كان، ومجلة “The Atlantic”) إلى أن:

  • منشآت إيرانية “رئيسية” عادت للعمل جزئيًا بعد أسبوعين فقط.
  • مشروع التخصيب الإيراني لم يُدمَّر بالكامل، بل توقّف مؤقتًا في بعض المواقع.

ما زاد من حدة الأزمة هو خطاب الانتصار الصادر عن بعض القيادات، مما فُسّر لدى شريحة من الجمهور على أنه عودة للغطرسة التي سبقت 7 أكتوبر، والتي ساهمت حينها في انهيار الثقة بالمؤسسة الأمنية.

أزمة الثقة بالنخب

إن أبرز ما كشفت عنه العملية هو عمق الأزمة بين الشارع والنخب – ليس فقط السياسية، بل أيضًا العسكرية. فالإسرائيليون الذين تلقوا وعودًا متكررة بـ”إزالة التهديد الإيراني”، صُدموا لاحقًا بتقارير تؤكد قدرة طهران على التعافي السريع. هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع أعاد للواجهة الاتهامات بـ:

  • التلاعب بالرأي العام.
  • غياب الشفافية.
  • تقديم إنجازات إعلامية قصيرة المدى على حساب خطة استراتيجية متكاملة.

وقد أظهر استطلاع هآرتس – يونيو 2025 أن 43% فقط من الإسرائيليين يثقون بتقديرات الجيش، مقابل أكثر من 70% قبل عام واحد فقط، ما يعكس تآكلًا واضحًا في شرعية المؤسسة الأمنية.


🔹 4. غزة: معركة مفتوحة دون أفق

رغم كل الانشغال بالجبهة الإيرانية، لم يتغير الوضع في غزة. فما يزال هناك:

  • 50 رهينة لدى حركة حماس، بحسب مكتب رئيس الحكومة.
  • أكثر من 12 ألف قتيل فلسطيني منذ بدء العملية الإسرائيلية على غزة
  • استمرار العمليات العسكرية دون خطة سياسية أو إعلان رسمي عن “هدف نهائي”.

ويظهر من خلال تقرير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أن العملية في غزة دخلت مرحلة “الجمود التكتيكي”، أي عدم قدرة الجيش على التقدم دون تكلفة بشرية كبيرة، في ظل غياب غطاء سياسي واضح.


🔹 5. الجبهة الداخلية الهشة

في المقابل، فإن نجاح العملية الخارجية فشل في إخفاء هشاشة الداخل. فقد شعر المواطن الإسرائيلي، وللمرة الثانية خلال عامين، أنه يعيش في ظل دولة قادرة على العمل بعيدًا، لكنها عاجزة عن حمايته في قلبها. وبرزت عدة مؤشرات لذلك:

  • التوتر الاجتماعي بين سكان المركز والجنوب (غزة) والشمال (حزب الله)، الذين اعتبروا أن العمليات “الخارجية” تأتي دائمًا على حساب أمنهم اليومي.
  • تفاقم الفجوة بين الجيش النظامي وسكان الأطراف، الذين يدفعون الثمن البشري والمعنوي الأكبر دون رؤية نهاية للحرب.
  • تصاعد الاحتجاجات المحدودة في تل أبيب وحيفا ضد إدارة الحكومة للملف الأمني، وسط اتهامات بـ”الإفراط في الاعتماد على سلاح الجو وإهمال المسار السياسي”.

الخلاصة
لايزال من المبكر تقدير ما ستكون عليه الآثار طويلة الأمد للعملية ضد إيران على العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي، لكن من الواضح بالفعل أن “عملية الاسد الشجاع” تمثل اختبارًا حاسمًا لهذه العلاقة. فبالرغم من الإنجاز العسكري المثير في الجبهة الإيرانية، إلا أنه لا يمكن أن يُخفي الواقع المؤلم في جبهة غزة – حيث لا يزال 50 مخطوفًا لم يُعادوا إلى بيوتهم، ويستمر سفك الدماء في غزة دون هدف عسكري أو سياسي واضح.

📝 مصادر ومراجع:

تقارير إعلامية عبر “قناة 12″، “هآرتس”، “The Atlantic”، “قناة كان”، و”يديعوت أحرونوت”.

معهد الديمقراطية الإسرائيلي – استطلاع يونيو 2025.

مركز INSS للدراسات الأمنية – تقرير يونيو 2025.

مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي – بيانات حول الرهائن.

وزارة الصحة في غزة – إحصائيات الضحايا المدنيين.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews