
بقلم: عماد بالشيخ
صحفي و محلل سياسي
بعد أربع سنوات من انقلاب 25 جويلية 2021، كتب هشام المشيشي أخيرًا ما يشبه شهادة شخصية عمّا حدث. لكن السؤال الجوهري الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة: هل أتى هذا المنشور في وقته؟
بالنسبة لي، الجواب واضح: تأخر كثيرًا، ولا يضيف شيئًا فعليًا للساحة السياسية التونسية.
في وقت يعرف فيه أي تونسي منصف – أو حتى مراقب خارجي – أن قيس سعيد نفّذ انقلابًا كامل الأركان، عطّل به مؤسسات الدولة، واستبدل الشرعية الشعبية بشرعية فردانية استثنائية، لا يمكن أن يشكّل منشور هشام المشيشي اليوم لحظة “كاشفة” أو “حاسمة” في الفهم السياسي لما جرى.
بل على العكس، يبدو أن هذا التوقيت الغريب لمنشوره يثير تساؤلات أكثر مما يجيب عنها.
ما وراء السطور: نفي الإقامة الجبرية؟
أكثر ما استوقفني شخصيًا في ما كتبه المشيشي، هو الطريقة غير المباشرة التي نسف بها الرواية التي تبناها كثيرون خلال السنوات الماضية، وهي أنه خضع للإقامة الجبرية بعد إقالته القسرية.
فالديكتاتور الذي يملأ السجون بمجرّد تعليق فايسبوكي، والذي لاحق شبابًا عاديين بسبب “مواقف ساخرة”، هل كان سيسمح لرئيس حكومة سابق – إن كان فعلاً تحت الإقامة الجبرية – أن يكتب اليوم بمنتهى الأريحية دون أن يتعرض للملاحقة؟
هنا، تكمن المفارقة: منشور المشيشي لا يكشف الحقيقة، بل يورط صاحبها في صمتٍ مستمرٍ منذ أربع سنوات.
هل يريد تزعم المعارضة من الخارج؟
المثير في المشهد ليس فقط محتوى المنشور، بل دلالته السياسية.
فالمشيشي لا يزال حتى اليوم أحد الشخصيات التي لم يُعرف عنها مواقف حادة من قيس سعيد، ولا تبنٍّ فعليّ لأي معارضة واضحة. لذا، فإن خروجه بهذا الشكل الآن قد يُفهم كمحاولة لاختبار ردود الفعل، وربما التمهيد للعب دور أكبر مستقبلاً، في إطار المعارضة في الخارج تحديدًا.
لكن، وهنا النقطة الجوهرية، هل يملك المشيشي الكاريزما أو الحاضنة الشعبية التي تؤهله فعلاً ليكون “رجل المرحلة”؟
الساحة السياسية التونسية تعج بالشخصيات التي تحاول أن تلعب هذا الدور، لكن القليل منها فقط استطاع أن يجذب حوله التونسيين، لا سيما في لحظة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحالية.
في انتظار ما بعد الصمت…
ما يشغلني فعليًا الآن ليس ما كتبه المشيشي، بل ما قد يكتبه لاحقًا.
إذا كانت هذه بداية لكسر الصمت، فإننا قد نكون أمام سيل من البيانات والشهادات من فاعلين سياسيين كتموا ما حدث، إما خوفًا أو حفاظًا على مصالح معينة.
أما إذا كان الأمر مجرد “غُصة شخصية” أو “محاولة لتبييض موقف قديم”، فإن التاريخ لن يكون رحيمًا لا بالمشيشي، ولا بكل من اختار الصمت بينما كانت البلاد تنهار.
خلاصة القول
ما كتبه هشام المشيشي بعد أربع سنوات من الانقلاب، لا يعيد تشكيل المشهد، ولا يكشف المجهول، بل يعمّق الإحساس بأن جزءًا كبيرًا من الطبقة السياسية في تونس اختار التواطؤ بالصمت أو المواربة، وها هو يحاول اليوم تعديل صورته، لكن بعد فوات الأوان.
وفي الوقت الذي يعيش فيه التونسيون مجاعة سياسية، واختناقًا اجتماعيًا، وقمعًا للحريات، فإن اللحظة تحتاج رجالًا لا يكتبون على فيسبوك، بل يصنعون مواقف حقيقية تُكتب في التاريخ.