سوريا الجديدة تطفئ نيران الشعار الأسود: حرائق الساحل آخر فصول «الأسد أو نحرق البلد»

كتبه : خالد الجدوع
ألسنة اللهب تتصاعد في غابات الساحل السوري وكأنها تحكي قصة مريرة عن زمن مضى في ظل حقبة نظام الأسد البائد، هناك بين رماد الأشجار والكروم تتجلى فصول جديدة من الصراع بين من يريد بناء البلد وبين من جعل شعاره “الأسد أو نحرق البلد”، ذاك الشعار الأسود الذي كان صدى للموت والقتل والتهجير عاشه السوريون على مدار 14 عاما، ليتحول اليوم في آخر صوره لحقيقة تتجلى في حرق غابات الساحل السوري والتي تعتبر روح البلد والرئة الطبيعية له، حيث أشارت أصابع الاتهام لفلول النظام السابق، محاولة منها لإرهاب سوريا الجديدة وإرباكها، لكن هذه الحكومة الصاعدة تعمل بكامل طاقتها رغم ضعف الإمكانات، وتنظر لما يحدث على أنه ليس مجرد حرائق وكوارث طبيعية، بل نار صراع يستعر بين ماض يرفض الرحيل وحاضر يصر على البناء والنهوض.
سياق الأزمة
بعد هروب الأسد لروسيا، تشكلت حكومة انتقالية جديدة في سوريا على أمل بدء مرحلة جديدة من العمل والبناء وإعادة سوريا الى موقعها الطبيعي في الشرق الأوسط ضمن اطارها العربي وإعادة بناء الثقة مع دول الجوار والمنطقة، لكن بقايا النظام، أو ما يعرف بفلول النظام السابق لم تخرج تماما من المشهد السوري وعملت على افتعال الأزمات كان بدايتها الهجوم على مراكز الشرطة في الساحل السوري ما أسفر عن مقتل مئات العناصر، وقد وصفها مراقبون أنها محاولة انقلاب على الحكومة الجديدة، وآخر الفصول فإن أصابع الاتهام تشير لافتعال الحرائق في غابات الساحل الغنية بالموارد الطبيعية والثروة الحيوانية.
ومما يجعل النظر لهذه الحرائق على أنها ليست اعتباطية، هو التوقيت والتوزع الجغرافي للحرائق، حيث نشبت عدة حرائق في ريف حماة الغربي، ومناطق متوزعة في غابات الساحل، وهذا يدل على نية واضحة لإرباك الحكومة الجديدة، وزرع حالة من الفوضى، وعدم الاستقرار، خصوصًا في ظل هشاشة البنية التحتية وغياب آليات مكافحة الحرائق المتطورة.
آثار الحرائق على البيئة والمجتمع
لا يمكن النظر لحرائق الغابات في الساحل السوري من الزاوية الآنية بل انها تترك ندوبا عميقة في التوازن البيئي والحياة الاجتماعية لسكان المنطقة، حيث تعتبر من أغنى المناطق الحراجية في سوريا وتضم تنوعا حيوانيا ونباتيا نادرا، وبتكرار الحرائق وانتشارها في مناطق واسعة يفقد الغطاء النباتي قدرته على التجدد السريع وبالتالي أضرار بيئية مختلفة كتآكل التربة وخطر الانهيارات والانجرافات الأرضية، فضلا عن دور الغابات في اعتدال المناخ المحلي، وباختفائها يزيد خطر التصحر والتأثير السلبي على المحاصيل الزراعية الموسمية.
كما يعتمد بعض السكان على الغابات بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال قطع الحطب، تربية النحل، الرعي، وزراعة الأشجار المثمرة التي تتداخل مع الغطاء الحراجي، ومع احتراق الأراضي، يخسر هؤلاء مورد رزقهم الأساسي.
استجابة الحكومة السورية والتحديات
تعمل وزارة الطوارئ والكوارث على حشد فرق إطفاء مدربة وتوفير الدعم اللوجستي لمكافحة الحرائق، كما تستعين بدعم فرق تركية ولبنانية وأردنية إضافة لفرق متطوعة من بعض منظمات المجتمع المدني، وفي تصريح جديد لرائد الصالح وزير الطوارئ والكوارث “طلبنا مساندة الاتحاد الأوروبي لمساعدة المتضررين من الحرائق واليوم ستشارك طائرات إطفاء قبرصية”
وصرح الصالح للإخبارية السورية: “في ظل ظروف مناخية قاسية وطبيعة جغرافية معقدة واصلت فرق الإطفاء في سوريا جهودها لأكثر من ثلاثة أشهر حيث استجابت لأكثر من 4000 حريق من بداية نيسان حتى 7 تموز الحالي وكان النصيب الأكبر لحلب تلتها اللاذقية
بلغ عدد الحرائق الزراعية والحراجية 2054 حريقاً أكثرها في اللاذقية بـ 441 تلتها طرطوس بـ 308 حرائق زراعية وحراجية
تطلبت عمليات الإخماد 3744 ساعة عمل منها 1400 ساعة في اللاذقية وحدها ما يعكس صعوبة السيطرة على النيران في هذه المنطقة الجبلية كثيفة الغابات وأكد أن 14 ألف هكتار من الأراضي الزراعية والحراجية قد تضررت بفعل الحرائق في الساحل.
منذ بداية تموز وحتى اليوم استجابت فرق الإطفاء لـ 334 حريقاً منها 170 حريقاً زراعياً وحراجياً أغلبها في اللاذقية بـ 46 تلتها طرطوس بـ 26
تواصل فرق الإطفاء في الدفاع المدني وفرق الإطفاء الحراجي لليوم السادس على التوالي مكافحة حرائق غابات اللاذقية بمشاركة فرق الإطفاء التركية والأردنية وبدعم جوي من طائرات سورية وتركية وأردنية ولبنانية التي تساهم في عملية الإخماد”
ويمكن القول أن التحديات كبيرة في ظل ما تعانيه سوريا من نقص المعدات المتطورة، وصعوبة الوصول لأماكن الحريق بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، فضلا عن التهديد المستمر للفلول الذين ينتشرون في المناطق الوعرة، وقد أظهر مقطع فيديو ظهر فيه وزير الطوارئ والكوارث في أحد المواقع التي تعرضت للحرائق وجود بعض الكتابات لعناصر من فلول الأسد يتفاخرون بالتخريب ” لهم حرية التعبير ولنا حرية التدمير”.
وعلى الصعيد الإنساني عملت وزارة الشؤون الاجتماعية على تشكيل غرفة عمليات بحسب تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات لـ سانا:
” تم تشكيل غرفة الطوارئ الخاصة بمتابعة أوضاع المتضررين والنازحين من جراء الحرائق في ريف اللاذقية لتقديم كل أشكال الدعم العاجل لهم ويتم العمل على حصر الاحتياجات اللازمة.
تم التدخل الفوري من قبل المنظمات غير الحكومية ومديريات الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات لتلبية بعض الاحتياجات ضمن الإمكانيات المتاحة.
المساعدات تتضمن سللاً غذائية ومعلبات وفرشاً ميدانية ووجبات طعام ومياهاً للشرب وعصائر طبيعية للكادر العامل على إطفاء الحريق وتخصيص مطعم ميداني لتقديم وجبات الطعام للعاملين على إخماده.
يتم تزويد آليات الدفاع المدني بصهاريج مازوت بالتنسيق مع مديريات الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظات دير الزور والحسكة ودمشق”
أمل تحت الرماد
يبقى الأمل معقودًا على عزيمة السوريين وحكومتهم الانتقالية في إعادة الحياة لربوع الساحل السوري، وإنهاء عهد الشعار الأسود وأعوانه ” الأسد أو نحرق البلد” الذي كان حاضرا في أذهان ملايين السوريين يمثل الموت والخراب، فسوريا لن تحرق كما هدد الفلول فنيرون مات وهرب الأسد.