أخبارتقارير و تحقيقاتسياسة

الأبعاد الاستراتيجية للأنفاق في غزة


بقلم: عَيزَر غَت – معهد دراسات الأمن القومي
تاريخ النشر: 30 يوليو 2025 |

تحرير وترجمة: أبوبكر إبراهيم أوغلو | باحث في الشؤون الإسرائيلية


الأنفاق.. التحدي الحاسم في حرب غزة وطبيعة ما بعد الحرب

تمثل الأنفاق الأرضية في قطاع غزة عاملًا حاسمًا في طول أمد المعركة، وصعوبة الحسم، وحجم القوات الإسرائيلية المشاركة في العمليات. هذا التحدي لا ينعكس فقط على مسار الحرب الحالية، بل يرسم مستقبل القطاع بعد انتهائها.

الإخفاق في التعامل مع تهديد الأنفاق

تُعد الأنفاق أحد أكبر الإخفاقات الاستخباراتية والتكتيكية لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023. تجربة سابقة في مايو 2021 – خلال عملية “حارس الأسوار” – أظهرت ضعف فاعلية الضربات الجوية ضد منظومة أنفاق “مترو غزة”. وبالرغم من بناء حاجز أرضي على الحدود مع غزة، لم يمنع ذلك حماس من تنفيذ هجومها من فوق الأرض. كما أن الجيش لم يكن مستعدًا لاجتياح بري شامل، ولم يهيئ نفسه لتكتيكات الأنفاق الدفاعية، التي تُعد حجر الأساس في استراتيجية حماس.

حجم شبكة الأنفاق

تشير التقديرات إلى أن “مترو الأنفاق” في غزة يمتد بين 500 و600 كيلومتر، ويغطي كافة البنى التحتية لحماس: مقرات القيادة، مخازن السلاح، منصات إطلاق الصواريخ، ومواقع الاشتباك داخل المدن. هذه الشبكة تتيح لقوات حماس التسلل، زرع العبوات، تنفيذ الهجمات، ثم الاختفاء مجددًا، في تحدٍ كبير لأي جيش نظامي.

المقارنة مع لبنان والضفة الغربية

في لبنان، كانت شبكة أنفاق حزب الله أقل امتدادًا وأشد صعوبة في الحفر بسبب تضاريس صخرية، وكان معظمها مكشوفًا للاستخبارات الإسرائيلية. في حين أن الضفة الغربية، التي تفتقر إلى بنية أنفاق متكاملة، شهدت نجاحًا إسرائيليًا سريعًا في عملية “السور الواقي” عام 2002، حيث استعاد الجيش السيطرة خلال أسابيع، ما ساهم لاحقًا في التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية.

أما في غزة، فالأمر مختلف تمامًا: الطبيعة الرملية، والكثافة السكانية، والقرب الجغرافي من إسرائيل، كلها عوامل تسمح لحماس باستخدام الأنفاق كأداة للاختباء، الهجوم، وإدارة المعركة. حتى بعد أي انسحاب إسرائيلي، ستبقى أجزاء واسعة من الأنفاق دون تدمير، وقد تعيد حماس بناءها، مما سيُبقي خطر الهجمات والتسللات قائمًا.

التحديات بعد الحرب

من غير الواقعي توقّع أن حكومة فلسطينية جديدة – سواء كانت تابعة للسلطة أو من التكنوقراط – ستكون قادرة على التعامل مع التحدي العسكري الذي تمثله أنفاق حماس. حتى العمليات الجوية أو الغارات البرية المستقبلية ستواجه صعوبة مماثلة، وربما أكبر، إذا أعادت حماس بناء قوتها.

ما الذي يمكن أن يُحدث فرقًا؟

  • مخابرات بشرية فعّالة على الأرض في الوقت الحقيقي، وهو ما فقدته إسرائيل تحت حكم حماس.
  • تطوير أدوات وتقنيات متقدمة للكشف والتدمير، مع تعزيز الوحدات المتخصصة في هذا النوع من القتال.
  • اختراقات تكنولوجية في مجالات الروبوتات وأجهزة الاستشعار قد تُحسن من قدرة الجيش على التعامل مع هذا التهديد الفريد.

خلاصة

الأنفاق ليست مجرد عائق عسكري؛ بل هي نظام متكامل يدعم سيطرة حماس على غزة، ويصعب على أي قوة أخرى إزاحته ما لم يُعالج من الجذور. ومن يطمح إلى تغيير جوهري في واقع غزة – سياسيًا، أمنيًا، وثقافيًا – عليه أن يضع هذه الحقيقة في صلب كل سيناريو مستقبلي.

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews