السودان: وزارة المالية تعلن ارتفاع الإيرادات… تحليل بين الأرقام والواقع

ممدوح ساتي -مراسلين
أعلنت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية عن ارتفاع الإيرادات الضريبية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري إلى 2.8 تريليون جنيه (حوالي 1.3 مليار دولار)، مؤكدة أن معظم هذه الأموال موجهة لدعم المجهود الحربي.
وأشار مسؤول في ديوان الضرائب إلى أن هذه الإيرادات تمثل زيادة بنسبة 230٪ مقارنة بالهدف المقرر، وأنها تُجمع في الحسابات المركزية لضمان استخدامها بالكامل في الاحتياجات العسكرية.
كما شددت الوزارة على اعتماد التحصيل الإلكتروني للضرائب كبديل عن النقد، لتعزيز الشفافية وكفاءة التحصيل في ظل ظروف الحرب المستمرة في دارفور وكردفان وأجزاء أخرى من البلاد.

السياق الاقتصادي قبل الحرب: موارد السودان الأساسية
لفهم الأرقام المعلنة، لا بد أولاً من استعراض قاعدة الاقتصاد قبل النزاع:
- الزراعة: الذرة، القمح، السمسم، الفول السوداني، والفواكه الاستوائية، ومحاصيل أخرى بالإضافة للأعلاف.
- الثروة الحيوانية: ملايين من رؤوس الماشية والأغنام والإبل كانت تمثل صادرات نقدية مهمة.
- الذهب: كان مورداً أساسياً للميزانية.
- الصمغ العربي: مورد تقليدي مهم للتصدير، خاصة إلى أوروبا والشرق الأوسط.
- القطاعات الأخرى: النفط، الصناعة الخفيفة، والتجارة الداخلية والخارجية ساهمت في حركة الاقتصاد قبل الحرب.
هذه الموارد كانت تشكل القاعدة الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة لجمع الإيرادات الضريبية، قبل أن تتأثر بشكل كبير بالحرب واستمرار بعض المناطق الإنتاجية خارج سيطرة الحكومة.
تحليل الإيرادات الضريبية المعلنة: الرقم بين الواقع والخيال
رغم إعلان وزارة المالية عن زيادة الإيرادات، يشير التحليل إلى أن الرقم يعكس عوامل محددة وليس انتعاشاً اقتصادياً شاملاً:
- قاعدة تحصيل ضريبي محدودة: الحرب عطلت النشاط الزراعي والحيواني في ولايات واسعة، بينما يتركز التحصيل في المدن الكبرى والمناطق الآمنة.
- تآكل القوة الشرائية للجنيه: مع تضخم سنوي تجاوز 290٪، تقل القيمة الحقيقية للأموال المجمعة.
- تحديات التحصيل الإلكتروني: ضعف البنية التحتية والإنترنت في بعض الولايات يقلل فعالية النظام.
- تحويل كامل الإيرادات للحرب: يترك الدولة بدون موارد للاستثمار في البنية التحتية أو الخدمات الأساسية، ويزيد الاعتماد على التحويلات المالية من المغتربين لدعم الأسر المحلية.

الموارد الأساسية مثل الزراعة، الثروة الحيوانية، الذهب، والصمغ العربي تضررت بشدة بسبب النزاع.
التحليل النقدي يشير إلى أن الإيرادات الحالية أقرب إلى دعم المجهود الحربي المؤقت، وليست مؤشراً على قدرة الدولة على إدارة الموارد أو دعم الخدمات.
النتيجة: الأرقام الرسمية تعكس صورة سياسية وإعلامية، لكنها لا تعكس الواقع اليومي للسودانيين، ولا تقدم مؤشراً حقيقياً على قدرة البلاد على مواجهة التضخم وتراجع الإنتاج وانقطاع الخدمات.
لكن برغم هذا تظل خبرة المواطن السوداني وروح التضامن الظاهرة في إسناد النازحين من مناطق الحرب وتكييف أوضاعهم الاقتصادية وإلحاق أبنائهم بالعملية التعليمية ودعم المغتربين لأسرهم داخل السودان ، هذه القدرة على التكيف والصمود قد تكون هي رافعة الاقتصاد الحقيقية والتعافي المنشود بعد انتهاء الحرب وتوقف النزيف..




