صبرا وشاتيلا… مجزرة تحت غطاء الاحتلال

بقلم : نسمه العبدالله- بيروت
بدأت المؤامرة على الفلسطيني الوحيد والأعزل في لبنان بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والفدائيين في أواخر آب/أغسطس 1982 إلى الأردن والعراق وتونس واليمن وسوريا والجزائر وقبرص واليونان، أعقبه انسحاب القوات متعددة الجنسيات قبل موعدها الرسمي بنحو عشرة أيام: الأميركية في 10 أيلول/سبتمبر، والإيطالية في 11 أيلول، والفرنسية في 13 أيلول.
تمّ ذلك رغم الضمانات الأميركية واتفاق فيليب حبيب القاضي بعدم دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وضمان حماية المدنيين الفلسطينيين وعائلات الفدائيين المغادرين. غير أنّ الاحتلال، متذرعاً بما سماه رفائيل إيتان “تطهير المخيمات من الإرهابيين” وبوجود ألفي فدائي، أطلق يد الميليشيات الموالية له، في وقت لم يُعثر فيه على جثمان فلسطيني مسلح واحد.
أسفرت مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها تلك الميليشيات بين 16 و18 أيلول/سبتمبر 1982 تحت غطاء الاحتلال الإسرائيلي، عن استشهاد نحو أربعة آلاف فلسطيني وفلسطينية، فيما يستمر مسلسل المجازر بحق شعبنا وسط صمت عربي ودولي مخزٍ.
بداية المجزرة:
في 15 أيلول/سبتمبر، فرضت قوات الاحتلال حصاراً على حي صبرا ومخيم شاتيلا، ورصدت كل حركة من فوق عمارة احتلتها. وفجر الخميس 16 أيلول، راقبت القوات المتمركزة على مدخل المخيم تحركات السكان وقدّمت الإحداثيات للقتلة، بينما ألقت طائرات الاحتلال القنابل الضوئية لتسهيل عمليات الإبادة.
مع صباح الجمعة 17 أيلول، بدأت تتكشف معالم الكارثة؛ جثث في الأزقة، وجرافات تهدم البيوت على رؤوس أصحابها وتدفن الأحياء والأموات معاً. بدأت محاولات فرار فردية وجماعية نحو مستشفيات عكا وغزة ومأوى العجزة، وتمكّن بعض السكان من التسلل عبر حرش ثابت، فيما بقي آخرون محاصرين يجهلون ما يجري، فقُتلوا داخل بيوتهم حول موائد الطعام.
في هذا اليوم أيضاً ظهرت “حفر الموت” وازدادت أعداد المهاجمين، فيما أكدت شهادات الناجين أن غالبية الشهداء سقطوا في الليلة الأولى، لكن أساليب القتل تطورت لاحقاً لتشمل قنابل فوسفورية أُلقِيَت داخل الملاجئ. واقتحم المهاجمون مستشفى عكا وقتلوا ممرضين وأطباء فلسطينيين، واختطفوا جرحى وناجين لجأوا إليه.
أما السبت 18 أيلول، فشهد استمرار عمليات القتل والذبح والخطف رغم صدور أوامر معلنة بالانسحاب. وأفاد شهود بأن المذبحة تواصلت حتى الواحدة ظهراً تقريباً، ترافقت مع تحقيقات واعتقالات في المدينة الرياضية على يد قوات الاحتلال والميليشيات، ليختفي العشرات ولا يُعرف مصيرهم حتى اليوم.
ولم يكتفِ الاحتلال بتغطية الإبادة وتسهيلها، بل عاد يوم الأحد 19 أيلول/سبتمبر 1982 لينهب وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني وينقل أرشيفه بالكامل في شاحنات، في محاولة لطمس الذاكرة الفلسطينية بعد تدمير البشر.