
بقلم : سيف الدين رحماني- كاتب صحفي متخصص في الشؤون الأوروبية و العلاقات
حتى نعلم حجم تأثير جماعات الضغط الصهيونية في روما. و دورها في صياغة الرأي العام الإيطالي.
كتب أستاذ علم الاجتماع السياسي والمتخصص في دراسة الإرهاب والعلاقات بين الإعلام والسلطة.
في جامعة LUISS بروما كتابا بعنوان البيت الأبيض و إيطاليا دولة تابعة خاض في دهاليز الإعلام الإيطالي المسيس الذي يخدم الاأندة الصهيونية وكبرى الاذرع اللّوبية الإسرائيلية في روما واشتغاله على عصب تشويه المعلومة لتضليل الرأي العام و تكريس سردية حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل وما يفعله في غزة بأنه ما هو إلا دفاع إسرائيل عن نفسها.
أيام معدودة كانت كفيلة لمداولات سؤال بسيط في غرف التحرير لوكالة NOVA الإيطالية، أدى في النهاية إلى إنهاء المسار المهني للصحفي الإيطالي Gabriele nunziati من طرف الوكالة التي يعمل لحسابها، فصل الصحفي الإيطالي غابرييل نونزياتي من عمله بعد طرحه سؤالا اعتبر “غير مناسب وخاطئ” حول غزة خلال مؤتمر صحفي للمفوضية الأوروبية في بروكسل.

كان نص سؤال التالي:
الصحفي يسأل المتحدثة باسم المفوضية
” لقد ذكرت في مناسباتٍ عديدة أن على روسيا أن تدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا. هل تعتقد أن على إسرائيل أيضًا أن تُساهم في إعادة إعمار غزة، بعد الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة وبنيته التحتية المدنية؟
هذا السؤال، الذي طرحه الصحفي الإيطالي غابرييل نونزياتي، أثار جلبة غير متوقعة في الساحة الاعلامية الإيطالية، كيف لهكذا صحفي يعمل في ثنايا عرين الصهيونية في روما ان يطرح مثل هكذا أسئلة، لما سقط في أيديهم و للتكفير عن الخطيئة و إرضاء المراقبين من بيادق اللوبي الصهيوني في روما لم يكن من الوكالة بد إلا ان أوقفت مسيرته المهنية.
ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، وخلال مؤتمر صحفي للمفوضية الأوروبية، طلب من باولا بينيو، المتحدثة باسم المفوضية، إجابتها. وكان الردّ مقتضبًا وحذرًا: ” شكرًا لكِ يا غابرييل، إنه سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام بالفعل، ولن أعلق عليه في هذه المرحلة”.
بعد بضعة أيام، تلقى الصحفي اتصالات تُبلغه بفصله. ثم بررت وكالة نوفا، التي كان يعمل بها، هذا القرار في رسالة موجهة إلى موقع Fanpage.it الإعلامي الاستقصائي الإيطالي، معتبرةً السؤال “غير لائق إطلاقًا وخاطئ”، و”غير صحيح تقنيًا”، ومؤكدةً أنه “أحرج الوكالة”. ووفقًا لنوفا، “غزت روسيا دولة ذات سيادة دون استفزاز”، بينما “تعرضت إسرائيل لهجوم مسلح” قبل قصف غزة غير مقبول”
ردًا على هذه الاتهامات، دافع غابرييل نونزياتي عن نفسه على إنستغرام بقوله : “لا يمكن اعتبار سؤالي متحيزًا إلا إذا أنكر المرء الحقيقة. إنها حقيقة أن إسرائيل دمرت غزة ميدانيا.إنها حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه. إنكار ذلك سيكون بمثابة إظهار للتحيز
أثار فصله غضبًا واسعًا بين منظمات الصحفيين. وأدان الاتحاد الوطني الإيطالي للصحافة هذا القرار، قائلاً: “من غير المقبول أن يُفقده سؤال، مهما كان حساسًا، وظيفته”. وأضاف الاتحادان الدولي والأوروبي للصحفيين : “إن فصل صحفي لطرحه أسئلةً مُلحّة، بناءً على معلومات مُوثّقة وواقعية، أمرٌ صادمٌ للغاية، ويُمثّل تجاهلًا صارخًا للمبادئ الأساسية لحرية الصحافة”.
بالرجوع إلى أورسيني و كيف تناول العلاقة غير المتكافئة بين الولايات المتحدة او إسرائيل وإيطاليا، وكيف تمارس واشنطن و جماعات الضغط تأثيرًا عميقًا — سياسيًا وإعلاميًا — على الدولة الإيطالية، إلى حدّ وصفها بأنها “دولة تابعة” أو “دولة تحت الهيمنة الثقافية والإعلامية الأمريكية الاسرائيلية”.
تناول الكاتب حالات محددة جرى فيها تحريف الحقيقة لخدمة مصالح واشنطن و إسرائيل، مثل:
تغطية الحرب في أوكرانيا (حيث تم تصوير روسيا كشرّ مطلق وأمريكا كمدافع عن الديمقراطية).
كذالك غزو العراق عام 2003، وكيف دعمت الصحف الإيطالية السردية الأمريكية حول “أسلحة الدمار الشامل”.
القصف في ليبيا وسوريا، أين تم تجاهل الآثار الإنسانية والسياسية الكارثية لتلك التدخلات.
و الآن نفس سيناريو التشويه و الأدلجة طاعن في أضلع الشرق الأوسط و بالضبط حرب الإبادة الجماعية في غزة، متبنين سردية نتنياهو و حكومته المتطرفة تلك الأسطوانة المشروخة أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها.
يرى أورسيني أن هذا التشويه ليس صدفة، بل هو ناتج عن بنية إيديولوجية،فكرية تابعة لواشنطن و تل أبيب.
اتضح ان إيطاليا كدولة لا تملك استقلالًا حقيقيًا في سياساتها الخارجية أو في إنتاج المعلومة، حيث تُشكّل واشنطن و إسرائيل إطارًا عامًا للنقاشات السياسية والإعلامية داخل إيطاليا.
يشير إلى أن الإعلام الإيطالي يتبنى في الغالب الروايات الأمريكية كما هي، خصوصًا فيما يتعلق بالنزاعات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا، أو قضايا الشرق الأوسط.
بل و وصل الحد في ذالك ان اللوبي الاسرائيلي في روما اصبح يتحكم في مفاصل وسائل الاعلام خصوصا اليمينية منها كشبكة RAI التلفزيونية و جرائد ومجلات و صحف يومية مثل il corriere di sera و il tempo la reppublica بالتالي يسمح لمن شاء ان يظهر على القنوات و يفصل من شاء ان هو أخل بالالتزام كما وضحت المقررة الأممية في فلسطين الإيطالية فرانسيسكا ألبانيزي ان احدا الدبلوماسيين اتصل بمسؤولي قناة إيطالية و استوضح منه كيف لمثل هذه أن تظهر على بلاطو القناة، فامتثل لأمره و لم يعد الكرة.
يُظهر أورسيني كيف أن معظم وسائل الإعلام الإيطالية الكبرى — من الصحف إلى القنوات التلفزيونية — تتلقى تمويلًا أو دعمًا مباشرًا أو غير مباشر من جهات مرتبطة بالولايات المتحدة أو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) باللوبي الاسرائيلي.
ويكشف عن شبكة من المراكز البحثية والخبراء المكرّسين الذين يروّجون للرؤية الأمريكية للعالم، و الاسرائيلية لمنطقة الشرق الأوسط مما يخلق تشويهًا ممنهجًا للحقائق.
و يعرض نماذج من الصحفيين والمحللين الذين فقدوا وظائفهم أو مُنعوا من الظهور الإعلامي لأنهم شككوا في الرواية الأمريكية و الاسرائيلية بما في ذلك تجربته الشخصية، إذ يذكر أنه تعرض للتضييق والإقصاء بعد مواقفه النقدية من السياسة الأمريكية في أوكرانيا و يشهد الآن تضييقا حول مواقع المنددة بالانتهاكات الصارخة في غزة و جرائم الإبادة الجماعية الحاصلة هناك.
تقبع حرية الصحافة تحت الضغط في إيطاليا
منذ سيطرة اليمين على زمام الحكم و تُعدّ هذه القضية جزءًا من تراجع أوسع لحرية الصحافة في إيطاليا.
منذ تولي جورجيا ميلوني السلطة عام 2022، قُيّدت خطوطها التحريرية في العديد من وسائل الإعلام العامة. في محطة RAI راي، أُلغيت برامج أو أُعيد تعريف أخرى تماشيا مع أجندة الصهيونية، ووُضعت شخصيات تُعتبر موالية للحكومة في مناصب استراتيجية. يُطلق على هيئة البث العامة الآن كما اصبح يتداول لقب “تيلي ميلوني”، أي احتكار الإعلام من قبل ميلوني و أزلامها.
و منذ عام 2023، شهدت إيطاليا تراجعًا مطردًا في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة الدولية . ففي غضون ثلاث سنوات، تراجعت من المركز 41 إلى المركز 49 عالميًا.



