الثروة الزراعية في ريف إدلب الجنوبي بين 2019–2025: أرقام الاقتلاع وكلفة التعويض

شبكة مراسلين
تقرير: خالد الجدوع
يعتبر القطاع الزراعي في ريف إدلب الجنوبي أحد أهم الأعمدة الاقتصادية، ومن عوامل الاستقرار للمجتمع الريفي لعقود طويلة، غير أن هذا القطاع شهد بعد حملة نظام الأسد على المنطقة في النصف الثاني من عام 2019 وحتى تحرير المنطقة في نهاية عام 2024 واحدة من أكبر حملات التخريب الممنهج، حيث عمدت قوات النظام البائد على استهداف بساتين الزيتون والتين والفستق الحلبي وتعهدته بالقطع ما أسفر عن اجتثاث ملايين الأشجار المثمرة التي تعد عصب الحياة الاقتصادية لآلاف الأسر على مساحات تقدر بآلاف الهكتارات
أهمية القطاع الزراعي في ريف إدلب الجنوبي:
تعرف إدلب على مستوى سوريا والوطن العربي بإدلب الخضراء، وذلك لوفرة الغطاء النباتي وبالخصوص الأشجار المثمرة من تين وزيتون وفستق حلبي، حيث تعتبر مصدر دخل أساسي لأغلبية السكان في المنطقة، وتقدر أعمار كثير من الأشجار قبل الحرب بين 30 – 70 عاما، ما يعطيها قيمة اقتصادية عالية تجعل فقدانها أثرا اقتصاديا مؤلما للسكان المحليين والدولة السورية.
خلفية التخريب (2019–2025)
سيطرت قوات النظام السوري البائد على ريف ادلب الجنوبي في العام 2019 عقب حملة شرسة انتهجت فيها سياسة الأرض المحروقة، أدت لتراجع قوات الثورة السورية، علما أن هذه المنطقة ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها بين روسيا وتركيا، حيث عمدت قوات الأسد الى اقتلاع الأشجار بهدف تجارة الأخشاب، غير أن الأمر تعدى ذلك لبيع الضباط للمناطق المذكورة لمقاولين من أجل اقتلاع الأشجار بكل أنواعها، ناهيك عن عمليات التجريف لإعادة تموضع القوات العسكرية وتشكيل نقاط حصينة عبر رفع “السواتر” الترابية وحفر الخنادق.
وبحسب مركز نورس للدراسات حيث قدم إحصائية مبدئية عن حجم الاضرار في القطاعي الزراعي في ريف ادلب وتشير الأرقام إلى:
- اقتلاع أكثر من 1.5 مليون شجرة زيتون.
- قطع نحو 350 ألف شجرة فستق حلبي.
- إزالة قرابة 100 ألف شجرة تين.
- تدمير عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة الأخرى.
- وقدرت مساحة الأراضي المتضررة بحسب تقرير نشرته قناة سوريا الفضائية ب 47 ألف هكتار خرج نصفها عن الخدمة.
هذه الأرقام تؤشر لفقدان إنتاج سنوي كانت تعتمد عليه شريحة واسعة من الأهالي إضافة لفقدان البنية التحتية الزراعية المتمثلة في أنظمة الري ومعدات استخراج الماء من الآبار الزراعية، إضافة لتضرر طرق النقل الزراعية بفعل معدات الحرب الثقيلة.
الأثر الاقتصادي المباشر وغير المباشر
يقدر الخبراء حسب مركز نورس للدراسات أن الخسائر المباشرة بأكثر من 250 مليون دولار أمريكي، يشمل هذا الرقم قيمة الإنتاج السنوي المفقود وتكاليف إعادة ترميم القطاع الزراعي، فضلا عن الأثر الاقتصادي غير المباشر المتمثل في تراجع دخل آلاف الأسر التي تعتمد بشكل كلي على هذه المحاصيل، كذلك تأثر الصناعات المرتبطة بهذه المحاصيل، إضافة لفقدان فرص العمل المرتبطة بجني هذه المحاصيل
التحديات الفنية والزمنية للتعويض
تكمن المشكلة في تعويض الضرر على القطاع الزراعي بأن دورة انتاج الأشجار المثمرة طويلة نسبيا، تصل بين 7 الى 15 عام من أجل الوصول لإنتاج مماثل للأشجار المقطوعة، وتواجه المنارة عمليات إعادة التشجير تحديات عديدة وخطيرة في بعض الأحيان متمثلة بانتشار مخلفات الحرب في الأراضي الزراعية، حيث أودت بحياة العديد من الفلاحين أثناء محاولتهم حراثة أراضيهم ويعتبر ذلك التحدي الأكبر والأكثر خطورة، ناهيك عن تلوث التربة بمواد المتفجرات، وتراجع خصوبتها لانعدام الخدمات المقدمة للأرض بين عامي 2019 و2025 بسبب نزوح السكان من المنطقة، غير أن توفر الشتلات بهذه الأعداد يعتبر من التحديات الكبيرة التي تواجه السكان المحليين والدولة السوريا في ظل نقص الدعم الفني والزراعي، ما يزيد من صعوبة تنفيذ برامج الإحياء.
الجهود المبذولة وخطط التعافي
رغم كل التحديات والصعوبات، بدأت جهود فردية للسكان المحليين ومنظمات المجتمع المدني بتنفيذ حملات تشجير لإعادة تأهيل الحقول المتضررة، شملت بعض المبادرات لمنظمات إنسانية بتوزيع شتلات مجانية للمزارعين، أو تقديم دعم مالي محدود بغرض إعادة ترميم شبكات الري، لكن تعتبر هذه الجهود خجولة مقارنة بحجم الضرر الهائل الذي لحق بالمنطقة، وتحتاج لإطار دعم أكبر بمشاركة السلطات الحكومية متمثلة بوزارة الزراعة ومساندة فعالة من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية.
توصيات
من أجل استعادة الثروة الزراعية في ريف إدلب الجنوبي يتطلب ذلك رؤية واضحة لدى وزارة الزراعة في الحكومة السوريا، تقوم على تقديم تعويضات للمتضررين ووضع خطة تشجير منظمة ومستدامة تراعي ظروف البيئة المحلية، وتوفير دعم فني وتقني للمزارعين لمواجهة عقبات إعادة إحياء المنطقة زراعيا، وتجدر الإشارة لضرورة إنشاء برامج تمويل زراعي صغيرة تساعد الفلاحين على تجاوز التحديات المالية بعد سنوات الحرب الطويلة، في الوقت الذي تبقى هذه التوصيات أداة لتحويل الخراب الذي خلفته الحرب إلى فرصة لإحياء الريف ودعم الاستقرار فيه، وحماية شريان حياة آلاف السكان الذين يعتمدون على الزراعة، ولتعود إدلب خضراء كما كانت، فقصة أشجار الزيتون والتين والفستق ليست مجرد أرقام للعد، بل حكاية صمود استمده أهلها من جذور الزيتون الضاربة والمتشبثة بالأرض، تأبى الاقتلاع رغم الخسائر الفادحة.