سر حيادية الموقف العربي والدولي من الصراع بالسودان.. حسابات سياسية أم دعوة للانقسام؟

محمد الليثي – شبكة مراسلين
ما بين حيادية الموقف الدولي وخاصة الموقف العربي الرسمي، تجاه الحرب الدائرة في السودان، وبين تصريحات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ” حميدتي”، ومبرراته بالانقلاب على الجيش السوداني، من أجل تطهيره من الراديكاليين الذين دسهم الرئيس السابق عمر البشير في الجيش، وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان، الذي وصفه حميدتي بـ “المجرم” والمنقلب على الديمقراطية، يؤكد المحللون المتابعون للشأن السوداني بأنه أصبح لم يعد يخفي على أحد داخل السودان وخارجه، بأن هناك من يفكر نيابة عن الجنرال “حميدتي”، ويلقنه ماذا يقول؟ وماذا يفعل؟ وما هي اللغة التي يجب أن يتحدث بها؟، ومتي يقلب الطاولة على جنرالات الجيش وعساكره.
من هو حميدتي؟
“حميدتي” الذي كانت بدايته مجرد تاجر للإبل، ثم تاجر للسلاح، تم تأسيس قواته التي يسيطر عليها منذ عقد من الزمان، كقوات شبه نظامية تابعة لجهاز الأمن الوطني – جهاز المخابرات الوطني حالياً – خلال أغسطس 2013، وذلك بعدما كانت قوات صغيرة تابعة لقوات حرس الحدود، إلا أنها لعبت دوراً كبيراً في حرب الحكومة الإسلامية ضد الحركات المتمردة ضدها في إقليم دارفور بوجه خاص، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
فجأة أصبح لـ“حميدتي”، الذي كان لا يجيد القراءة والكتابة بحسب تقارير سابقة عن السيرة الذاتية له، أصبح بالفعل صاحب شهرة وصيت ذائع بين كل رفقاء السلاح، والرجل الثاني في السودان، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس السابق عمر البشير، ليبدأ الرجل الثاني في الانقلاب على شريكه في الجيش السوداني، بعد مداولات طالت لأكثر من عامين حول دمج قواته في الجيش السوداني، والتي رأى حميدتي أن هذه الخطوة ربما تقوض من طموحه السياسي، خاصة بعدما أصبح يمتلك جيشا موازيا ويسيطر على مناجم الذهب في كثير من المناطق السودانية، استطاع من خلالها تسليح قواته وتحديثها بآلاف المدرعات والعربات القتالية.
حميدتي أصبح في تصريحاته خلال اليومين الماضيين، مع غموض الموقف الدولي، بشأن الموقفتجاه الصراع الدائر، وكأنه يخاطب جهات دولية يسترضيها وينفذ ما ترسمه له بدقة، خاصة بعد اللعب على وتر الحرب على الإسلاميين الراديكاليين داخل الجيش السوداني، إلا أنه يجدها تصريحات غير عادية ومثيرة للجدل، بالرغم من صدورها من جنرال لا يمتلك أي خبرة سياسية، و قدراته العسكرية محدودة.

يروج حميدتي في اليومين الماضيين، بأنه المهدي المنتظر للتحول بالسودان من دولة يسيطر عليها المتشددون الإسلاميون، إلى دولة ديمقراطية، وهي التصريحات التي يغازل بها الداخل والخارج، خاصة بعدانقلاب البرهان منذ عامين على عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان واعتقاله، والتصدي للتظاهرات المدنية التي نزلت للشوارع وطالبت بعودة الجيش لثكناته، وذلك بالقوة المفرطة التي أدت لقتل عشرات المتظاهرين.
وقال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” إن على المجتمع الدولي اتخاذ إجراء الآن والتدخل ضد جرائم عبد الفتاح البرهان.
وأضاف قائد قوات الدعم السريع في تغريدة على “تويتر” أن “الحرب التي نخوضها الآن هي ثمن للديمقراطية وأفعالنا هي رد على حصار ومهاجمة قواتنا”.
الأمر الذي يستغله حميدتي ورغم شراكته في فض هذه التظاهرات وقتها، في استمالة القوى السياسية والمدنية والحزبية بالسودان، والتي لم يتضح موقفها حتى الآن، باستثناء تصريحاتها التي تطالب بالتهدئة والعودة للمفاوضات ووقف نزيف الدماء.
ويروج حميدتي في حربه ضد البرهان، على وتر العودة للحكم المدني، والقضاء على الراديكاليين، متهما هؤلاء الضباط الإسلاميين في جيش البرهان بأنهم لن يتركوا الحياة في السودان تسير بصورة طبيعية وهم بعيدين عنها خاصة بعد ذاقوا حلاوة السلطة، ونعموا طويلا بحياة مرفهة، كما أكد على أنه لن يعود عن حربه حتى إبعاد الضباط الإسلاميين من السلطة وعلى رأسهم البرهان و الكباشي.
ضبابية الموقف العربي والدولي
في حين أعلنت دول عربية وأفريقية عدة عن رغبتها في قيادة مبادرات لوقف إطلاق النار والشروع في حوار وطني ينهي الحرب القائمة، لا تزال بعض الدول الفاعلة في الملف السوداني، لا سيما دول الجوار، تتابع الأوضاع عن كثب من دون إعلان مواقفها من الأزمة القائمة، وعلى رأس تلك الدول مصر وإثيوبيا وتشاد، والدول العربية الفاعلة في المنطقة مثل السعودية والإمارات، رغم تدخلهم في ملفات مشابهة مثل الملف الليبي واليمني.
كما التزمت دول الجوار الأفريقي للسودان، بالصمت، مثل إريتريا رغم مساهماتها السابقة في الملف السوداني سواء أثناء حكم البشير وما بعده، بدءاً باتفاق أسمرا للقضايا المصيرية الذي وحد العمل السوداني المعارض، أو اتفاق شرق السودان الذي نجحت في عقده بين النظام السوداني السابق والقوى السياسية المعارضة في شرق السودان.
فضلا عن أن أثيوبيا التي تشتبك مع السودان في بعض القضايا الهامة، مثل ملف سد النهضة، لم تفصح عن أي موقف صريح تجاه ما يحدث بالسودان، خاصة وأن أثيوبيا ترى أن الخرطوم استغلت انشغال أديس أبابا بالحرب الأهلية في تيغراي للتوغل في الأراضي الإثيوبية والسيطرة على أراض زراعية شاسعة تزعم ملكيتها، وهو ما تعتبره إثيوبيا “تنكراً لدورها الفاعل في إنهاء أزمة السودان وتجاوزاً للعلاقات التاريخية.
بل أن أثيوبيا لها موقف رسمي اتهمت خلاله، الخرطوم بالتورط في دعم جبهة تحرير تيغراي في حربها ضد الجيش الفيدرالي الإثيوبي وحليفه الإريتري.
بالتالي لا يتوقع إطلاق إثيوبيا أية مبادرات فردية أو مشتركة تجاه الأزمة الحالية.

في الوقت الذي صرحت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي، على لسان وزير خارجيتها، إيلي كوهين، بأنها تعمل كل ما بوسعها لتهدئة الأوضاع في السودان.
وأضاف كوهين “لن تحدث أمور جيدة في السودان إذا دخلت إلى هناك جماعات إسلامية متطرفة”، لتمسك إسرائيل بطرف الحبل الأخر الذي يلعب عليه قائد قوات الدعم السريع حميدتي، وهو الحرب على الإسلاميين.
وبالنسبة لتصريحات أمريكا والدول الأوروبية، فلم تختلف عن سابقتها من الدول العربية، بالدعوة للهدوء، والعودة للمفاوضات، حيث دعا وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي “الجنرالات المنخرطين في القتال إلى إعطاء الأولوية للسلام” في السودان.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن المحادثات كانت واعدة فيما يتعلق بوضع السودان على مسار الانتقال الكامل نحو حكومة مدنية.
وأضاف “هناك وجهة نظر مشتركة لدى الحلفاء بضرورة وقف أعمال القتال فورا والعودة للمحادثات”.
فيما اكتفت مصر رغم أسر عدد من جنودها المشاركين في التدريبات العسكرية مع الجيش السوداني، بعرض الوساطة بين المتحاربين من أجل التهدئة، وإن كان هناك من يرى أن لمصر موقف داعم للجيش السوداني، خاصة في ظل احتجاز حميدتي للجنود والضباط المصريين.
حسابات وانقسام
ويقول الكاتب الصحفي، أسامة الهتيمي، الخبير في الشأن العربي والدولي، بأن ثمة رابط واحد يجمع بين جميع البيانات الصادرة عن الدول العربية التي تفاعلت مع الأزمة السودانية حيث أعربت جميعها عن قلقها البالغ مما يجري، مطالبة في الوقت ذاته بضرورة ضبط النفس وتغليب لغة الحوار، وهو بطبيعة الحال الموقف الأولي الذي يجب أن يتخذ انطلاقا من إبداء عدم الانحياز لطرف على حساب طرف في الصراع الدائر.
الأمر الذي يمكن أن يمهد لدور وساطة جادة، بحسب الهتيمي، لمن يرغب في المشاركة في حل هذه الأزمة وهي الخطوة التي يصعب للغاية تحققها في الوقت الحالي، إذ يسعى كل طرف من أطراف الصراع في السودان أن يظهر قوته على الأرض حتى إذا قبل بالحوار والتفاوض، بشرط ألا يكون الحلقة الأضعف التي تستجيب لشروط الطرف الأقوى.
وأضاف الهتيمي، في تصريحات خاصة لـ “شبكة مراسلين” إنه في إطار ما سبق يتضح الدور المنوط بالفاعلين العرب في المرحلة المقبلة، والذي يمكن أن يتركز حول مهمتين:
الأولى وتتعلق بالجانب العسكري، إذ لابد أن يكون هناك تكتل عربي قوي ومدعوم من بقية الأطراف العربية ممثلة في الجامعة العربية لممارسة أقصى الضغوط على كلا الطرفين من أجل الإسراع في عملية الحوار والتفاوض، ومن قبلهما وقف القتال الدائر.
وأما المهمة الثانية، فإنسانية، إذ المشكلة الأصعب في السودان هو تلبية احتياجات الشعب السواداني الذي يعاني الأمرين، ليس نتيجة الصراع الحالي ولكن منذ سنوات.
ويعتقد الهتيمي أن المهمة الأولى بالإسراع والتحرك مهما كانت التحديات على أرض الواقع، هي المهمة الأإنسانية، إذ تفاقم هذه المشكلة يمكن أن يفجر صراعا أكبر ويزيد من تعقيدات المشكلة السودانية.
وحذر الهتيمي من أن تفجر الصراع بين قوات الجيش من ناحية وقوات الدعم السريع من ناحية أخرى كفيل بأن يوقظ الصراعات القبلية والمناطقية من جديد، مما يعيد السودان إلى صراعات ربما هدأت وطأتها خلال السنوات الماضية فلم يزل جرح دارفور وقبائل البجا في الشرق وغيرها ما يعني ببساطة أن السودان مقبل على مرحلة شديدة الصعوبة تحمل بين طياتها احتمالية تنفيذ سيناريو تقسيم جديد للسودان، وهو بكل تأكيد سيكون خطرا جديدا على أمننا القومي العربي.
وتابع: “بطبيعة الحال فإن الصوت المدني في الصراعات العسكرية يكون خافتا لأقصى درجة فإن أقصى ما يمكن أن يصدر عن الأحزاب السودانية المدنية هو البيانات ودعوات الوساطة، فهي لا يمكن أن تفرض أي أجندة سياسية في الوقت الحالي على طرفي الصراع حتى تهدأ الأمور وتتكشف موازين القوى على الأرض، إذ سيكون من البديهي أن ما بعد الصراع سيختلف تماما عما قبله”.

وفي ذلك يقول الخبير في الشأن السوداني د. خيري عمر، بأن الحديث عن وساطة دولية لوقف الحرب بين الفريقين المتصارعين في السودان، سيتوقف على الضمانات التي سيقدمها كل من الفريقين، وهي تتعلق أساساً بوضع خطة لتوحيد الجيش وقدرة الوسطاء على فرض هذا الأمر، خاصة وأن الدعم السريع هو جزء من الجيش.
وأشار خيري عمر في تصريحات خاصة لــ “شبكة مراسلين ” إنه مع كثرة المبادرات التي تتحدث عن عودة الهدوء، والمفاوضات، لم ترغب الجامعية العربية في طرح مبادرة إضافية لاتاحة الفرصة للمبادرات القائمة، الامر الذي يكشف مزيدا من الغموض حول الموقف الدولي .
وأشار خيري عمر لـ “شبكة مراسلين”، إلى التناقضات بين الأطراف الدولية المختلفة، حول موقفها من صراع الجيشين، لعمق الصراع المسلح.
وقال إن النقطة الأساسية، هي أن الطرفين يخوضان حرباً غير متناسقة؛ حيث الجيش يعمل بطريقة محترفة وانضباطية، فيما يغلب على الدعم السرعية الابتعاد عن القوانين العسكرية والمسؤولية القانونية.
ويؤكد د. خيري عمر أن الوضع الراهن من حيث اندلاع الاشتباكات على هذا النحو يمثل المرحلة الأخيرة لتفاقم التناقضات على مدار الأربع سنوات الماضية، إذ كانت العقيدة العسكرية للجيش هي عقيدة الدولة، بينما كانت العقيدة العسكرية التي تعمل بها قوى الدعم السريع هي العمل على تغيير الديناميكيات الفاعلة في الدولة، وبالتالي كان الصدام بين الطرفين حتميا ومن الصعب معالجته في هذه المرحلة وخصوصا وأن المسألة لم تعد شأن داخلي وإنما معززة باختلاف وجهة نظر الدول الخارجية.
وأشار إلى أن التناقض في الموقف الدولي منشأه هو أن هناك من يفضل التغيير أو إزاحة الجيش من المشهد تماما وهناك أيضا من يفضل استمرار بعض العسكريين في العملية السياسية.
وبشأن إمكانية الوساطة بين الأطراف المتطاحنة، يرى د. عمر أن الأزمة لا تبشر بأي حل قريب، وأن الأمور وصلت إلى مرحلة لا ينفع فيها دور الوساطة.
سيناريو متكرر
بدوره بقول خبير الشؤون الأفريقية في جامعة القاهرة الدكتور بدر شافعي، في تصريحات صحفية، إن المشكلة في السودان هي أننا أمام خلاف بين قوتين كبيرتين مسلحتين بشكل جيد وتنتميان كلتاهما لخلفية عسكرية، وهو ما يجعلنا أمام سيناريو حرب طويلة يصعب حسمها.
ويضيف يمكن للجيش حسم الصراع في الخرطوم ومروي باعتباره الأكثر قوة وتسليحا، لكن الطرف الآخر لن يستسلم بسهولة خاصة أن لديه امتدادات قبلية في ولاية دارفور والدول المجاورة لها مثل تشاد والنيجر، كما أنه تحول إلى مشروع إقليمي ويحصل على دعم كبير من الإمارات وقوات حفتر وشركة فاغنر الروسية.
ويعتقد شافعي أن جهود الوساطة والتهدئة لن تفلح وإن حدثت ستكون مؤقتة وسرعان ما ستعود المواجهة بين حميدتي والبرهان وفي النهاية ربما نصل لحالة أقرب إلى الحالة الليبية، حيث نجد طرفا يسيطر على العاصمة والولايات القريبة منها، بينما يسيطر الطرف الآخر على ولاية دارفور وما حولها، ومن حين لآخر تحدث مواجهات بين الطرفين.
