برنامج إيران النووي: هل دمّرته الحرب الأخيرة بالفعل؟

متابعة : علي زم / طهران
كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية يوم السبت 13 سبتمبر، أن مسؤولين إسرائيليين قدّموا مؤخراً تقييمهم للهجمات الجوية الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني إلى السلطات الفرنسية، في وقت أوقفت فيه واشنطن جميع أشكال التعاون مع شركائها الأوروبيين في هذا الملف.
وذكرت الصحيفة أن التقارير حول نتائج الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً لا تزال متضاربة.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرّح في وقت سابق بأن “ادعاء تدمير برنامج نووي سلمي خطأ في الحسابات”. لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في 26 يونيو أن “الضربات الأمريكية دمّرت تماماً البرنامج النووي الإيراني”، واعتبر أي تقرير مخالف لذلك “أخباراً زائفة”.
وبحسب مصدر دبلوماسي فرنسي قريب من قصر الإليزيه، قدّمت إسرائيل أوائل سبتمبر تقييمها لهجمات يونيو على المنشآت النووية الإيرانية. ووفق “لوموند”، فإن هذا التقييم يتعارض مع ما أعلنته واشنطن.
وأوضح مصدر مطّلع لـ “يورو نيوز فارسية” أن إسرائيل أقرت في تقييمها بأنه “رغم تدمير مواقع تصنيع أجهزة الطرد المركزي ومعظم منشآت تخصيب اليورانيوم، خصوصاً في فوردو ونطنز، إلا أن إيران ما زالت تحتفظ بهذه المعدات”.
القضية الأساسية التي يطرحها التقرير هي ما إذا كانت الكمية المتبقية من المعدات كافية لإعادة تشغيل البرنامج النووي. التقييم الإسرائيلي أجاب بأن “العدد غير كافٍ لإعادة تشغيل البرنامج في المدى القصير، لكن الأمر مجرد مسألة وقت”.
ووفقاً للتقييم، لا تزال طهران تحتفظ بكل مخزون المواد الخام اللازمة لصنع سلاح نووي. وقدّر الإسرائيليون أن إيران تملك “450 كيلوغراماً من اليورانيوم على شكل غاز”، مشيرين إلى أن مستوى التخصيب المطلوب للاستخدام العسكري هو 90%.
المسؤولون الإسرائيليون أضافوا أن إيران لا تحتاج سوى إلى مساحة 250 متراً مربعاً للوصول بمستوى التخصيب إلى 90%. كما أشاروا إلى أن إيران، رغم اغتيال أكثر من 12 عالماً مرتبطين ببرنامجها النووي، ما زالت تحتفظ بكامل خبراتها الفنية.
لكن التقرير شدّد على أن الوصول إلى تخصيب بنسبة 90% غير كافٍ لإنتاج سلاح نووي، إذ يبقى اليورانيوم في هذه المرحلة في حالة غازية، بينما يتطلب الاستخدام العسكري تحويله إلى فلز اليورانيوم، وهي عملية معقدة للغاية. وأضاف أن هناك نقاطاً مجهولة في هذه المرحلة.
كما أشار التقييم إلى أن مسألة نظام النقل الذي قد تستخدمه إيران لحمل رأس نووي لم تُحل بعد، رغم أن مشاريع متقدمة في هذا المجال قيد التطوير.
حفظ القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية في إيران
تؤكد المعلومات التي سُلّمت إلى فرنسا أيضاً أن جهاز “الموساد” لا يزال يتمتع بقدرات استخباراتية عالية داخل إيران ويعتمد على شبكة عملاء وأجهزة رصد متطورة. ما يعني أن إسرائيل قادرة على كشف أي محاولة لإعادة تشغيل البرنامج النووي.
وأكدت إسرائيل في تقييمها أنها ستستخدم مجدداً الطائرات والقوات الخاصة ضد إيران إذا تبيّن أن برنامجها يحقق تقدماً. وذكرت “لوموند” أن تل أبيب أبلغت باريس بأنها قد تستهدف في أي هجوم مقبل الحكومة الإيرانية وأهدافاً سياسية واقتصادية، لكنها لا ترغب حالياً في خوض مواجهة واسعة جديدة، إذ تسعى أولاً إلى إعادة بناء منظوماتها الدفاعية التي تضررت خلال الحرب الأخيرة.
كما أوضح التقرير أن إسرائيل لا تعارض التوصل إلى اتفاق مع إيران، لكنها تشترط وقف تخصيب اليورانيوم كلياً وإنهاء دعم طهران لحلفائها في المنطقة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
قطع التعاون الاستخباراتي الأمريكي مع الحلفاء
وذكرت “لوموند” أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ووكالة الاستخبارات الدفاعية ووكالة الأمن القومي، قطعت منذ أواخر يونيو اتصالاتها مع الحلفاء الأوروبيين بشأن الملف النووي الإيراني.
ويرى ترامب أن القدرات النووية الإيرانية “دُمّرت بالكامل”، ويعتبر أن أي تبادل معلومات أو تقارير مخالفة قد يُضعف روايته.
وفي 22 أغسطس، أُقيل الجنرال جيفري كروزر، مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، بعدما نشر جهازه تقريراً عن ضربات يونيو ضد إيران، خلص إلى أن البرنامج النووي “تأجل لبضع سنوات لكنه لم يُدمَّر”. هذا التسريب أغضب البيت الأبيض بشدة وأدى إلى إقالته.