مقالات

«حنظلة» تتوقّف.. وحلم الأطفال يتعثر فوق الموج

شبكة مراسلين
بقلم: سجى عبد المجيد شبانة

في عرض البحر، بعيدًا عن ضجيج الموانئ والسياسة، توقفت سفينة صغيرة تحمل على سطحها ما هو أثمن من البضائع الثقيلة: حليبًا لأجسادٍ أنهكها سوء التغذية، ودمىً لأرواحٍ أرهقها الخوف، ورسائل مكتومة من أطفال غزة كتبوا أملهم بلون الحليب ورائحة البراءة. توقفت “حنظلة”، لا لعطل تقني، بل لأن الموج حين يتلاقى مع السياسة، قد يصبح حاجزًا من حديد.

حنظلة الاسم الذي لم ينسَ

سُميت السفينة بـ”حنظلة”، تيمنًا بذلك الرمز الفلسطيني الذي ظل واقفًا منذ عقود، يدير ظهره للعالم منتظرًا صحو الضمير الإنساني. ولم تكن “حنظلة” سفينة ضخمة، لكنها كانت عظيمة بمعناها، بوزنها الرمزي، بما حملته من معاني الحياة البسيطة التي باتت معقّدة في غزة.

أطفال على رصيف الانتظار

عشرات الآلاف من الأطفال في القطاع ينتظرون، لا سفنًا ولا مؤتمرات، بل وجبة حليب واحدة تُبقي أجسادهم صامدة، ودمية تمنح قلوبهم فرحًا صغيرًا قد يُنسيهم لساعات ما يعيشونه من حرمان. توقفت السفينة، لكن الانتظار لم يتوقف. وعلى الشاطئ، ظلّت عيون الأطفال تلاحق الأفق، وكأنها تقول: “هل من حنانٍ عابر للحدود؟”

إنسانية محايدة بلا شروط

لم تُرسَل “حنظلة” لتكون بيانًا سياسيًا، بل إعلانًا للإنسانية في زمنٍ كثر فيه الصمت. مبادرة مدنية، حيادية، جاءت من قلوبٍ تطوّعت بالحب، وحملت رسالتها بأيدٍ عزلاء، لا تطلب شيئًا سوى أن يصل الحليب إلى فم جائع، وتصل اللعبة إلى يدٍ صغيرة خائفة.

صمت البحر أقسى من الحصار

توقيف “حنظلة” عند نقاط التفتيش البحرية، رغم شفافيتها ونواياها الصريحة، يثير أسئلة كثيرة. ما الذي يُخيف من سفينة تحمل ألعابًا؟ ما التهديد الذي يمثله حليب الأطفال؟ هل باتت الإنسانية نفسها محل اشتباه؟

إن استمرار عرقلة هذه المبادرات لا يُظهر فقط خللًا قانونيًا، بل يُعرّي الضمير العالمي، الذي ما زال يراوح مكانه في توصيف المعاناة، دون أن يتقدم خطوة نحو وقفها.

نداء للعالم

إننا، أمام هذا المشهد الإنساني المؤلم، لا نوجه الاتهام، بل نُطلق نداء. نداء لكل قلب حي، لكل مؤسسة، لكل قرار أممي، أن يُعيد النظر في أولوياتنا كبشر. لأن السماح لسفينة إنسانية بالوصول ليس تنازلًا سياسيًا، بل التزام أخلاقي، وقيمة إنسانية لا يجب أن تكون محل تفاوض.

الختام: حين تتوقف السفينة، لا يجب أن تتوقف الرسالة

ربما توقفت “حنظلة”، لكن رسالتها يجب ألا تتوقف. يجب أن تصل، ولو عبر المقالات، والصور، والأصوات الحرة. لأن من حق الطفل في غزة، كما في أي مكان في العالم، أن يشرب الحليب، ويلعب، ويحلم.. دون أن يُعرقل ذلك أحد.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews