مقالات

التحديات الأمنية لدول الجوار الفلسطيني

شبكة معقدة من الجغرافيا والسياسة وتفاعلات القوة

شبكة مراسلين
مقال بقلم: محمد سعد الأزهري

لا يزال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحد أكثر القضايا إثارة للجدل واستمرارًا في التاريخ الحديث، وانشغال العالم به ايجابا في الشباب والأجيال الناشئة والمنصفين من الاعلاميين والسياسيين حتى تغيرت قناعات أشخاص ومؤسسات وحكومات وقوانين وبصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط ايجابيا في وحدة الشعوب حول قضية محورية اسلامية وعربية ومسيحية بالنسبة للشعوب مع تداعيات عميقة على أمن واستقرار الدول المجاورة على مستوى الحكومات والسياسسين والجيوش والإعلام .

تواجه الدول المتاخمة لفلسطين – مصر والأردن ولبنان وسوريا (عبر مرتفعات الجولان المحتلة) – تحديات جيوسياسية وتاريخية واجتماعية- سياسية فريدة تشكل استراتيجياتها الإقليمية.

يتناول هذا المقال المعضلات الأمنية متعددة الأوجه التي تواجهها هذه الدول، الممتدة في جذور الجغرافيا والتاريخ وتفاعلات القوة المتطورة.

السياق الجغرافي: حدود تحت الضغط

تتشارك دول الجوار الفلسطيني ما يقارب 1000 كيلومتر من الحدود مع الأراضي المتنازع عليها. يشكل الحدود المصرية البالغ 12 كيلومترًا مع غزة، والذي يُتحكم به عبر معبر رفح، نقطة عبور حيوية لكنها متقلبة. أما الحدود الأردنية البالغة 97 كيلومترًا مع الضفة الغربية، فقد كانت تاريخيًا بؤرة لحركات اللاجئين والعمليات الأمنية. وشهدت الحدود الجنوبية اللبنانية البالغة 79 كيلومترًا، المجاورة للأراضي المحتلة، نزاعات متكررة، لا سيما مع حزب الله. تضيف الحدود التاريخية السورية مع فلسطين، عبر مرتفعات الجولان المحتلة، طبقة أخرى من التعقيد. هذه الحدود ليست مجرد خطوط على الخريطة، بل ساحات لأزمات إنسانية ومواجهات عسكرية ومعارك أيديولوجية. 

الأبعاد التاريخية والسياسية
أرست النكبة عام 1948 والحروب العربية-الإسرائيلية اللاحقة إرثًا من التشريد والمقاومة. في حرب الأيام الستة عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان، مُشكِّلةً تحالفات إقليمية جديدة. بينما وقَّعت مصر والأردن معاهدات سلام مع إسرائيل (عامي 1979 و1994 على التوالي)، لا تزال هذه الاتفاقيات غير محبوبة بين مواطنيهما. في المقابل، حافظ لبنان وسوريا على حالة صراع رسمي مع إسرائيل، حيث برز حزب الله في لبنان كقوة مقاومة رئيسية. -لطالما وحَّدت القضية الفلسطينية الشعوب العربية والإسلامية، متجاوزةً سياسات حكوماتها التي غالبًا ما تُقدِّم الواقعية السياسية على التضامن الشعبي. 

تكلفة التردد: تداعيات مادية وعسكرية

تحمَّلت دول الجوار تكاليف باهظة بسبب ترددها أو عجزها عن دعم فلسطين بقوة. دُمِّرت بنية لبنان التحتية خلال حرب 2006 مع إسرائيل، بينما تعاني الأردن ومصر من الأعباء الاقتصادية لاستضافة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

زاد الحصار على غزة من الأزمات الإنسانية، مما زعزع استقرار سيناء المصرية وعزز التطرف. في الوقت ذاته، سمح غياب الدعم العسكري المنسق لإسرائيل، المدعومة بمساعدات أمريكية سنوية قيمتها 3.8 مليار دولار وأسلحة متطورة، بالهيمنة بشكل غير متوازن. كما أن “صفقة القرن” في عهد ترامب عام 2020 زادت من تهميش السيادة الفلسطينية، مؤكدة تواطؤ الغرب.

الرأي العام مقابل الواقع السياسي

يرى الجمهور العربي والإسلامي فلسطين كاختبار أخلاقي، مع احتجاجات من جاكرتا إلى بيروت تُدين السياسات الإسرائيلية. لكن الحكومات غالبًا ما تُقدِّم الاستقرار على التضامن، خوفًا من الاضطرابات الداخلية. كشف الربيع العربي عن قوة الحركات الشعبية، وتخشى الأنظمة الآن أن تُلهم المقاومة الفلسطينية تمردًا جديدًا. ينتقد البعض الدعم الضعيف لفلسطين—مثل حصار مصر لغزة أو التنسيق الأمني الأردني مع إسرائيل—كمسبب لتآكل الشرعية، مما يعزز جماعات مثل حماس في فلسطين ،وحزب الله في لبنان الذي يسعى جاهدا وبكل قوة لاسترجاع قوته وهيمنته على المشهد السياسي اللبناني وكعضو مؤثر في جناح المقاومة ،رغم أن خسائره الفاتحة كانت بسبب تقاعسه وتردده على المشاركة ودعم المقاومة الفلسطينية منذ اليوم الأول بحجة أن المقاومة لم تنسق معه ولم تشركه في اتخاذ القرار ولم تطلعه على الخطة والتوقيت والأهداف والاستراتيجيات.

فكان أن خسر قيادات الصف الأول كاملة وعلى رأسها رئيس الحزب ومساعديه ومرافقيه ومجلس استشارته.

حماس وتحول موازين القوة

أصبحت حماس، التي تصنفها بعض الدول منظمة إرهابية، فاعلًا  وعسكريًا لا يمكن تجاوزه. سيطرتها على غزة ودورها في صراع 2023 أجبرا الجهات الدولية على التعامل معها، متحديةً تراجع نفوذ السلطة الفلسطينية. يعكس هذا اتجاهًا أوسع: فاعلون غير دوليين يستغلون الدعم الشعبوي لزعزعة الدبلوماسية التقليدية. 

كما وأن الشعب الفلسطيني في غزة والفضة والقطاع قد توحد وجدانيا وقوميا حول قضيته ومقاومته وهذه أزمة حقيقة لحكومة عباس وسيتأثر بها كافة حكومات الدول المجاورة ظهر ذلك جليا في مراحل تسليم الأسرى أسبوعيا وعدم وجود أي تمثيل دبلوماسي أو أمني أو حتى إنساني وطبي من اي دولة من دول الجوار مما يؤكد تهميش دورهم وذهاب أثرهم الفاعل في الضغط والتفاوض مع حماس.

المسار المستقبلي:  تقرير المصير والمراجعة الإقليمية

يعتمد حل هذا الصراع على تقرير المصير الفلسطيني، مبدأٌ كرسته القوانين الدولية لكنه تأجل مرارًا. على دول الجوار أن تتناغم مع مشاعر شعوبها تجاه فلسطين لضمان استقرار طويل الأمد. يُخاطر القادة بفقدان الصلة إذا تجاهلوا مطالب شعوبهم، الذين باتوا يرون تحرير فلسطين جزءًا من تطلعاتهم للعدالة.

مع تزايد القوة العسكرية الإسرائيلية، يدرك الفلسطينيون وحلفاؤهم أن المقاومة – سواء دبلوماسية أو شعبية أو مسلحة – تتطلب الوحدة والابتكار.
يشير صعود النشاط الرقمي والحركات التضامنية العابرة للحدود إلى تحول في نموذج الصراع، حيث تُهَدَّد الهياكل التقليدية للسلطة. 

اختبار للسيادة والتضامن

التحديات الأمنية التي تواجه جوار فلسطين مرتبطة عضوياً بالنضال الأوسع للحقوق الفلسطينية. لاستعادة المصداقية، يجب على الحكومات الإقليمية التوفيق بين مصالحها الاستراتيجية والضرورات الأخلاقية لشعوبها. حلم فلسطين المستقلة ليس تجريدًا بعيدًا، بل صرخة جماعية للعدالة. بينما يراقب العالم، يبقى السؤال: هل سينهض قادة المنطقة لمواجهة هذه اللحظة، أم سيُطيح بهم مد التاريخ؟ 

على حد تعبير ناشط غزي: “صمودنا هو سلاحنا. قد ينسى العالم، لكن الخريطة لن تنسى أبدًا”.

المخاطر على جوار فلسطين – وعلى السلام العالمي – لم تكن قط أعلى مما هي عليه اليوم.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews