التضخم العربي بين الأرقام الرسمية وموائد المواطنين: من المغرب إلى دول الخليج

أبو الدرداء – مراسلين
تشهد المنطقة العربية في السنوات الأخيرة ضغوطاً اقتصادية متزايدة انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين، أبرزها موجات التضخم وارتفاع الأسعار. ولم يعد الأمر مجرد أرقام تصدرها البنوك المركزية، بل تحول إلى واقع يومي يظهر في سلة المشتريات وفواتير الخدمات ومستوى المعيشة. وبينما تتباين نسب التضخم من دولة إلى أخرى، يبقى القاسم المشترك هو أثره الاجتماعي المباشر الذي يمسّ المواطن أولاً. وفي خضم هذا المشهد، برزت بيانات وتصريحات رسمية صادرة عن مؤسسات مالية وحكومية عربية لتوضح حجم التحدي وتفسّر السياسات المتخذة للحد من التضخم وتداعياته.
في الأردن، صرّحت دائرة الإحصاءات العامة أن معدل التضخم السنوي بلغ نحو 1.97% خلال الثلث الأول من عام 2025، مؤكدة أن الأسعار بقيت ضمن نطاق السيطرة نتيجة استقرار أسعار الغذاء والطاقة نسبياً. هذا الرقم يعكس وضعاً مستقراً نسبياً، ما يتيح للأسر الأردنية فرصة أكبر للتخطيط المالي، لكنه لا يخفي أن الضغوط المستمرة في تكاليف السكن والخدمات الأساسية تضغط على ميزانيات الأسر.
أما في المغرب، فقد أوضح بنك المغرب في بيانه للسياسة النقدية أن معدل التضخم تباطأ إلى حوالي 0.9% في عام 2024 ليستقر قريباً من 1% في 2025. ويُعد هذا التراجع دليلاً على نجاح السياسات النقدية في مواجهة الضغوط التضخمية، ما انعكس إيجابياً على القدرة الشرائية للمواطن المغربي. غير أن استمرار البطالة وارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية يجعل أثر هذا النجاح محدوداً على المستوى الاجتماعي.
وفي لبنان، أشار مصرف لبنان في تقاريره، إلى أن معدل التضخم انخفض إلى حدود 15% منتصف عام 2025 بعد أن تجاوز مستويات قياسية في 2024. ورغم أن هذه الأرقام تعكس تباطؤاً في وتيرة ارتفاع الأسعار مقارنة بالسنوات الماضية، فإنها ما زالت تمثل عبئاً ثقيلاً على الأسر اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بأسعار الغذاء والدواء والإيجارات. الاستقرار النقدي هنا يبقى هشّاً، والمواطن اللبناني يظل عالقاً بين الأمل في التعافي والخوف من انتكاسات جديدة.
وفي منطقة الخليج، تبدو الصورة مختلفة نسبياً. ففي المملكة العربية السعودية، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن معدل التضخم السنوي بلغ 2.3% في يونيو 2025، بزيادة طفيفة عن مايو، مرجعة ذلك بالأساس إلى ارتفاع إيجارات السكن بنسبة 7.6% مقارنة بالعام السابق. أما في الكويت فقد بلغ التضخم 2.39% في يوليو 2025، مع ضغوط في أسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية. وفي دبي بالإمارات، سجل معدل التضخم 2.84% في مارس 2025، وهو تراجع طفيف عن الشهور السابقة، مع انخفاض لافت في أسعار الغذاء والمشروبات. وعلى مستوى دول مجلس التعاون عموماً، أظهرت بيانات مركز إحصاء التعاون أن التضخم بلغ 1.7% في 2024 مقارنة بالعام السابق، لكن فئة السكن شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 5.7%.
هذه الأرقام الخليجية تعكس معدلات معتدلة مقارنة بالدول الأخرى، إلا أنها تحمل تأثيرات اجتماعية لا يمكن تجاهلها. فالارتفاع المستمر في كلفة السكن يضغط على ميزانيات الأسر، خاصة تلك ذات الدخل المتوسط. وفي حين تخفف سياسات الدعم الحكومي من أثر الغلاء على بعض الفئات، تبقى التحديات مرتبطة بقدرة المواطنين على التكيف مع الزيادات في الإيجارات وأسعار السلع المستوردة.
وبين تضخم متراجع في الأردن، ومؤشرات مستقرة في المغرب، ومحاولات مستمرة للسيطرة على الأسعار في لبنان، ومستويات معتدلة لكن حساسة في دول الخليج، يظل المواطن العربي هو البوصلة الحقيقية لقياس نجاح السياسات الاقتصادية. فالأرقام والبيانات الرسمية التي تصدرها البنوك المركزية تعطي صورة تقنية دقيقة، لكنها لا تكتمل إلا عندما تُقرأ من زاوية أثرها على المائدة اليومية للأسرة العربية. وهكذا يعود السؤال ليطرح نفسه من جديد: هل تكفي الإجراءات والسياسات المعلنة لتخفيف العبء عن المواطن؟ أم أن التحدي الحقيقي يكمن في ربط الاستقرار المالي بالاستقرار الاجتماعي؟