قطار الرياض.. خطوة عملاقة نحو تخفيف الازدحام أم حل جزئي؟

عبد الله الحبابي/ المملكة العربية السعودية
منذ عقود والعاصمة الرياض تُعاني من ازدحام مروري خانق بفعل التوسع العمراني الكبير والاعتماد شبه الكلي على السيارات الخاصة. وفي مواجهة هذا التحدي، جاء مشروع قطار الرياض كأحد أهم المشاريع الحضارية ضمن رؤية السعودية 2030، ليكون ليس مجرد وسيلة نقل، بل خطوة استراتيجية لإعادة صياغة مشهد التنقل في العاصمة.
انطلاقة المشروع وتطوره
انطلقت فكرة المشروع رسميًا عام 2013 حين وضعت الهيئة الملكية لمدينة الرياض التصاميم الأساسية بمشاركة شركات عالمية متخصصة في النقل الحضري. بدأ التنفيذ الفعلي عام 2014 بأعمال الحفر والبنية التحتية العملاقة، التي تضمنت إنشاء أنفاق، جسور، ومحطات ضخمة بمقاييس دولية. استمر العمل على مدى سنوات طويلة، حتى بدأ التشغيل التجريبي الجزئي في نهاية عام 2023، ومع عام 2024 بدأ تشغيل المسارات تدريجيًا حتى الوصول إلى التشغيل الكامل لشبكة القطار.
الخطوط والمسارات
يتكون القطار من ستة خطوط رئيسية تغطي نحو 176 كيلومتراً و85 محطة، موزعة كالتالي:
• الخط الأزرق: يمتد من شمال الرياض (حي العليا) إلى الجنوب (حي الدار البيضاء) عبر شارعي العليا والبطحاء – بطول 38 كم، 22 محطة.
• الخط الأحمر: على طول طريق الملك عبدالله – بطول 25.3 كم، 13 محطة.
• الخط البرتقالي: الأطول، بطول 40.7 كم، 22 محطة، يمتد من غرب المدينة حتى شرقها.
• الخط الأصفر: يربط مطار الملك خالد الدولي بالشمال الشرقي – بطول 29.6 كم، 8 محطات.
• الخط الأخضر: بطول 12.9 كم، 10 محطات، يمر على طريق الملك عبدالعزيز.
• الخط البنفسجي: يمتد من شرق الرياض إلى غربها عبر المحاور الجنوبية – بطول 29.7 كم، 9 محطات.
الأثر المروري والبيئي
أظهرت البيانات أن القطار ساعد في تخفيف الازدحام في بعض المحاور الرئيسية بنسبة لافتة. كما أسهم في خفض عدد الرحلات اليومية بالسيارات بما يزيد على 250 ألف رحلة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على تقليل التلوث والانبعاثات. والأهم من ذلك أنه قلّص زمن التنقل، حيث أصبحت بعض الرحلات التي كانت تستغرق ساعة أو أكثر لا تتجاوز 20–30 دقيقة فقط. إضافة إلى ذلك، تم تمديد ساعات التشغيل لتبدأ من الخامسة والنصف صباحًا حتى منتصف الليل، ما أضاف مرونة أكبر للمستخدمين في أوقات الذروة.
انطباعات المجتمع
جاءت انطباعات المواطنين متنوعة:
• إيجابيات: التنظيم العالي، نظافة المحطات، الأسعار المعقولة، تقليل الزحام، وتقليص التكاليف مقارنة باستخدام السيارات الخاصة.
• سلبيات: ازدحام العربات في ساعات الذروة، قلة المواقف المهيأة في بعض المحطات، وانتهاء ساعات التشغيل عند منتصف الليل.
• تردد: بعض المواطنين لا يزالون مترددين في ترك سياراتهم بشكل كامل قبل توسع شبكة الحافلات المساندة.
المستقبل والتكامل الحضري
يُنظر إلى القطار كعمود فقري لشبكة نقل متكاملة تشمل الحافلات، المواقف الذكية، وخدمات النقل الترددي. ومع مرور الوقت، وازدياد ثقة السكان، من المتوقع أن يتحول إلى الخيار المفضل لفئات واسعة، خصوصًا الموظفين والطلاب. وإذا توسعت ساعات التشغيل وتكاملت الخدمات المساندة، فقد يصل الاعتماد عليه إلى مستويات مشابهة لما هو قائم في كبريات المدن العالمية.
الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية
• اقتصاديًا: يحقق وفراً كبيراً في تكاليف الوقود والهدر الزمني.
• بيئيًا: يساهم في خفض الانبعاثات الضارة بما ينسجم مع أهداف الاستدامة الوطنية.
• اجتماعيًا وثقافيًا: يغير ثقافة التنقل، ويدفع المجتمع نحو الاعتماد على النقل العام الحديث.
• أمنيًا وتنظيميًا: يسهم في الحد من الحوادث المرورية بفضل أنظمة المراقبة المتطورة.
يمثل قطار الرياض خطوة عملاقة نحو تخفيف الازدحام وتحقيق رؤية مستقبلية لمدينة عصرية. لكنه حتى الآن يشكل حلًا جزئيًا يحتاج إلى استكمال عناصره المساندة، مثل تكامل وسائل النقل ورفع ساعات التشغيل وتعزيز وعي المجتمع. ومع النجاحات الحالية، تمضي العاصمة بخطى ثابتة نحو مشهد حضري أكثر ذكاءً واستدامة.