
شبكة مراسلين
بقلم الدكتور أحمد أحمد
الحالة السورية هي ما بقي من أمل بعد خيبات الربيع العربي، لذلك لا بد من الاستفادة من كل أخطاء الغير، حتى لا تنطفئ الشعلة الأخيرة في المنطقة العربية الغارقة في ظلام دامس.
الأولويات الآنية تشتمل على:
١- توحيد جميع الفصائل والسلاح الثوري تحت قيادة مركزية واحدة.
٢- تثبيت حالة الاطمئنان بين جميع أطياف المجتمع السوري من أكراد، وعلويين، ودروز، ومسيحيين وإسماعيليين.
٣- التوصل في أقصى سرعة إلى اتفاق مع الأكراد السوريين.
لا بد من منع فوضى السلاح لتحقيق الأمان والاستقرار على مستوى الوطن السوري ولمنع أي استغلال خارجي لجماعات مسلحة تتلقى مساعدات وأوامر من دول إقليمية لا ترضى عن وجود نموذج حر لدولة عربية، وبالتأكيد لا يمكن لهذه الدول التصالح مع وجود نظام حكم يقوده متدينون في المنطقة، اللهم إلا تصالحهم مع الكيان الصهيوني الذي يشكل المتدينون اليهود حجر الزاوية في حكومته.
إن بقاء أي جماعات مسلحة خارج الجيش الوطني سيفتح باب الحفترة كما حدث في ليبيا أو نموذج حميدتي في السودان، وهذا لا سمح الله قادر على إفشال الثورة لمصلحة دول الفساد العربي.
لقد صدر عن السيد أحمد الشرع قرار بذلك، لكن العبرة في التنفيذ، والشيطان يكمن في التفاصيل.
فيما يخص أطياف المجتمع السوري، فتصرفات الثوار عند دخولهم كافة المدن السورية أثبتت نيتهم في عدم الانجرار خلف الانتقام أو تحميل طوائف معينة وزر ما فعله النظام البائد في سوريا. إن رفع أشجار عيد الميلاد المضاءة أكبر دليل على أن هذه القوات أبعد ما تكون عن الفكر الداعشي الذي تُتهم به، وما حرق إحداها مؤخراً -والذي تم عبر أفراد تم اعتقالهم وستتم محاسبتهم- إلا دليل على محاولة تشويه الواقع. لذلك تبقى أبواق تنشر الشائعات عن نية الانتقام وعن فرض الجزية وفرض الحجاب، وطرد العلويين،…إلى آخر ذلك من عشرات الشائعات التي تتلقفها مواقع التواصل من الذباب الإلكتروني الذي لا يهدف إلا إلى تشويه الثورة والثوار.
إن زيارة الزعيم الدرزي اللبناني السيد وليد جنبلاط ولقائه بالسيد أحمد الشرع بحضور وجهاء الدروز السوريين كان أبلغ رسالة تطمين لطائفة الموحدين، كذلك عدم حدوث أي اشتباك أو حتى أي سوء تفاهم بين قوات الثورة القادمة من الشمال مع أي من ثوار السويداء في جبل العرب، كل هذا يجب أن يقف سداً منيعاً أمام أي تفرقة أو تعصب من أي طرف.
تبقى الحساسية الأكبر هي في التعامل مع الملف الكردي لعوامل عديدة، منها سيطرة الأكراد العسكرية عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق شاسعة شرقي نهر الفرات، بما تحويه من نفط ومناطق زراعة القمح، وتداخل ملفهم مع الدعم الأمريكي، وكذلك الحساسية التركية من وجود كيان كردي مستقل على حدودها، مع إمكانية استغلال حزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابياً في تركيا) لتلك المنطقة شبه المستقلة لتهديد الأمن القومي التركي.
أعتقد بأن حل هذا الملف سهل إذا صدقت النوايا ونأت قيادة قسد عن الاستقواء بالخارج سواءً الأمريكي أو الإسرائيلي، فتحقيق جل مطالب الأكراد ممكن عبر تعزيز سيطرتهم المدنية في مناطقهم من تعليم اللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية، بل ووجود شرطة محلية كردية، وحرية انتخابات مجالسهم المحلية كباقي المجالس في الدولة السورية، مع ضم مقاتلي قسد الذين يرغبون في الانخراط ضمن الجيش الوطني السوري، وكذلك إجلاء جميع المقاتلين الأكراد غير السوريين لضمان عدم زعزعة الأمن القومي التركي انطلاقاً من الشمال السوري.
إن هذا الطرح قابل للتحقيق وبسرعة خصوصاً مع إشارتين إيجابيتين صدرتا من قيادة قسد عبر رفع علم الثورة السورية في مناطقها، وكذلك التعهد بإخراج الأكراد غير السوريين من مناطق سيطرة قسد.
أرى بأن أكبر عائق أمام حل هذا الملف هو التدخلات الخارجية التي تفضل بقاء الحالة الانفصالية بين ضفتي الفرات.
بالتزامن مع حل هذه الأمور الثلاثة يكون العمل الجاد لترميم الوضع الاقتصادي المتدهور والحوار الجاد لصياغة دستور جديد وتحقيق العدالة الانتقالية ورسم خارطة طريق للوصول إلى صيغة توافقية لشكل الدولة السورية القادمة، مع مراعاة عدم الدخول في مهاترات وجدل بيزنطي عقيم بين أطراف جعجعتها عالية وهي لا تملك أي وجود ملحوظ في الشارع السوري، ولكنها تسعى بدرجة أساسية للتشويش والمماطلة وتمييع الأمور حتى تفقد الحالة الثورية زخمها، بل ومحاولة سرقتها كما حدث في دول عربية أخرى، مع تأكيدي بأن كل صوت له الحق في إسماعه، ولكن يجب أن لا نقع في فخ الحاجة إلى الإجماع بنسبة ١٠٠٪ الذي يستحيل حدوثه على كل بند دستوري، فالأهم هو الوصول إلى إجماع الثلثين وهو المعتبر عند تغيير أي نص دستوري في معظم دول العالم، وهذا ممكن خصوصاً مع عدم وجود الدولة العميقة وجيش من بقايا النظام السابق وهو ما يعطي الحالة السورية أفضلية مقارنة بغيرها.
لن تخلو سوريا من محاولات التدخل وفرض الشروط، بل وابتزاز بعض الدول الإقليمية والدولية مقابل الحصول على الدعم المالي ورفع العقوبات، لا بد في هذه المرحلة من بناء التحالفات لتحقيق المصالح لكن دون الارتهان والسير في فلك أحد أياً كان، فشتان ما بين التعاون والتبعية.
أرجوكم، لا تُسقطوا المشعل من أيديكم.