تقارير و تحقيقاتعربي و دولي

سوريا: حقول الموت الصامتة تفتك بالعائدين بين أنقاض الحرب

شبكة مراسلين

تقرير: وليد شهاب قصاص

تمتد حقول الموت الخفية تحت أنقاض المدن السورية المدمرة، تتربص بكل من يجرؤ على العودة إلى دياره بعد سنوات من النزاع الدامي.

في مشهد يختزل مأساة إنسانية متعددة الأبعاد، أصبحت الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب تهديداً وجودياً يحول دون إعادة إعمار البلاد واستقرارها.

وسط هذا المشهد الكابوسي، تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الأخير أن التلوث الواسع بالمتفجرات يشكل أحد أخطر التحديات التي تواجه المدنيين العائدين. تشير المنظمة إلى ارتفاع مقلق في عدد الضحايا خلال الأشهر الأخيرة، حيث سجلت مئات الإصابات والوفيات بينهم عشرات الأطفال.

يفيد مسؤولون في الدفاع المدني السوري بأن معظم الحوادث تقع في المناطق الزراعية والمناطق السكنية التي شهدت معارك عنيفة خلال سنوات الحرب. يوضح أحد المتطوعين في فريق إزالة الألغام بريف حلب أن العملية تشبه “المشي في حقل ألغام حرفياً”، حيث تختلط المتفجرات المعروفة بأنواعها مع عبوات ناسفة بدائية الصنع ومخلفات عسكرية متنوعة.

تعلن الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في المناطق الملوثة بالمتفجرات. يصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحذيرات متكررة من أن استمرار هذه الأزمة يعيق بشكل خطير عمليات إعادة الإعمار ويمنع عودة آمنة للنازحين واللاجئين.

تؤكد مصادر طبية في مشافي شمال سوريا أن الإصابات الناجمة عن انفجار الألغام تأتي في الغالب بجروح بالغة وخطيرة. يشرح جراح أوعية دموية في مشفى حلب الجامعي أن معظم الضحايا يعانون من بتر الأطراف وإصابات بليغة في الأعضاء الداخلية، مع صعوبات كبيرة في تقديم الرعاية الطبية اللازمة بسبب نقص الإمكانيات.

تصرح منظمات إغاثية دولية عن معاناة كبيرة في تقديم المساعدات للناجين من حوادث الألغام. تشير تقارير الصليب الأحمر الدولي إلى أن العديد من الضحايا يحتاجون إلى رعاية نفسية وطبية طويلة الأمد، في ظل غياب برامج متكاملة للرعاية والتأهيل.

تعلن الحكومة السورية عن تشكيل لجنة وطنية للإشراف على عمليات نزع الألغام، لكن مراقبين يشككون في فعالية هذه الخطوة بسبب نقص التمويل والخبرات الفنية. يؤكد خبراء في مجال نزع السلاح أن العملية تتطلب موارد هائلة وجهوداً متواصلة على مدى سنوات طويلة.

تطالب هيئات حقوقية دولية بتحرك عاجل لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية الصامتة. تدعو منظمة العفو الدولية إلى توفير تمويل كافٍ لعمليات المسح وإزالة الألغام، مع تأكيدها على ضرورة إيلاء أولوية قصوى لحماية المدنيين العائدين إلى مناطقهم.

يفيد نشطاء محليون بأن العديد من العائلات تجد نفسها أمام خيارين مريرين: إما البقاء في مخيمات النزوح حيث الظروف المعيشية المزرية، أو المخاطرة بحياتهم بالعودة إلى مناطق ملوثة بالمتفجرات. تصف إحدى الناشطات في ريف إدلب الوضع بأنه “مأزق إنساني بكل معنى الكلمة”.

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تطهير سوريا من المتفجرات قد يستغرق عقوداً من الزمن. يحذر مسؤولون في منظمة السلامة الدولية من أن التأخير في بدء العمليات الجادة لإزالة الألغام سيزيد من تعقيد المشكلة ويرفع عدد الضحايا بشكل كبير.

تؤكد منظمات إنسانية أن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر في هذه البيئة الملوثة. يشرح ممثل عن منظمة اليونيسف أن الفضول الطبيعي لدى الأطفال يجعلهم أكثر عرضة للعب بأجسام غريبة قد تكون متفجرات خطيرة.

تعلن منظمة الصحة العالمية عن قلقها إزاء انتشار الإعاقات الدائمة بين الناجين من حوادث الألغام. تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن آلاف السوريين يعيشون اليوم بإعاقات دائمة ناجمة عن هذه المتفجرات، في ظل غياب برامج تأهيلية كافية.

تصدر تحذيرات متزايدة من أن استمرار هذه الأزمة سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا. يحذر اقتصاديون من أن المناطق الملوثة بالمتفجرات ستبقى خارج دائرة التنمية لسنوات طويلة، مما يعمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد.

تؤكد تقارير إعلامية أن العديد من العائلات اضطرت إلى تغيير خطط عودتها بسبب اكتشاف مواقع ملوثة بالمتفجرات. يروي أحد المزارعين في ريف حمص كيف اضطر إلى التخلي عن أرضه الزراعية بعد أن فقد ثلاثة من جيرانه في حوادث انفجار ألغام.

تعلن بعض المنظمات المحلية عن بدء برامج توعية للمجتمعات المحلية حول مخاطر المتفجرات. يشير مدير أحد هذه البرامج إلى أن التوعية تمثل خط الدفاع الأول في ظل شح الإمكانيات اللازمة لإزالة الألغام بشكل كامل.

تصدر دعوات عاجلة للمجتمع الدولي لزيادة الدعم المالي والفني لمواجهة هذه الكارثة. تؤكد سفيرة إحدى الدول الأوروبية في الأمم المتحدة أن الأزمة تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف لإنقاذ الأرواح وتمكين العائدين من إعادة بناء حياتهم.

في خضم هذه المعاناة الإنسانية المتواصلة، يبقى السؤال الأكبر: كم من الوقت سيستغرق قبل أن تصبح الأرض السورية آمنة مرة أخرى لأبنائها؟ وكم من الضحايا سيسقطون قبل أن تتحرك الجهود الدولية بشكل جاد لمواجهة هذا التهديد الخفي؟

تشير كل المؤشرات إلى أن معاناة السوريين مع مخلفات الحرب لن تنتهي مع توقف القتال، بل ستستمر لسنوات طويلة قادمة. في الوقت الذي يحاول فيه العالم مساعدة سوريا على النهوض من جديد، تبقى حقول الموت الصامتة التحدي الأكبر الذي يواجه أي محاولة لإعادة الإعمار واستعادة الأمل.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews