
أمر الله سبحانه وتعالى بصيام شهر رمضان كاملا، على القادر العاقل البالغ المسلم، من أول دخول وقت الفجر، وحتى غروب الشمس، قال تعالى في سورة “البقرة”: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ”.
ويقدر متوسط ساعات الصيام في أغلب دول العالم، بـ 15 ساعة، ولكن هناك بعض الإشكالات للكثير من المسلمين الذين يعيشون في عدة دول مثل أيسلندا والنرويج وفنلندا، حيث يصوم المسلمين في هذه الدول أكثر من 22 ساعة كاملة، فما بالنا لو كان شهر رمضان في الصيف، فماذا يحدث للصائمين هناك.
كيف يصوم المسلم أكثر من 22 ساعة؟
ووفق التقويم القمري يتقدم موعد بدء شهر رمضان بمعدل أقل من أسبوعين كل عام مقابل الميلادي. وفي البلدان القريبة من خط الاستواء -مثل السعودية وسنغافورة وإندونيسيا- لا يحدث هذا التغير فرقا كبيرا في عدد ساعات النهار الثابتة بين عام وآخر.
لكن بالنسبة للمسلمين المقيمين بالقرب من الدائرة القطبية في الشمال، فإنهم يواجهون أزمة في فصل الصيف عند الصوم.
فمثلا في أيسلندا تغرب الشمس عند منتصف الليل، وتشرق بعد غروبها بساعتين فقط خلال ذروة الصيف.
ويصوم المسلم النرويجي لمدة تصل إلى عشرين ساعة وعشرين دقيقة مما يضع المسلمين في الشمال أمام تحد مختلف في صيام يوم يصل عدد ساعاته حتى 21 ساعة و51 دقيقة في عامنا الحالي.
يُسمى النهار في شمال فنلندا -وخاصة إقليم لابلاند- بشمس منتصف الليل، فالشمس لا تختفي طوال اليوم، ليجد المسلمون أنفسهم أمام 23 ساعة ونصف الساعة من العطش والجوع، مما يصبح مشقة غير محتملة، حتى اختاروا الصوم وفق مواقيت دول الشرق الأوسط أو أقرب دولة مسلمة لهم وهي تركيا، بحسب بعض الفتاوى التي يسرت لهم بوضع متوسط لعدد ساعات الصيام تيسيرا عليهم.
إلا أن بعض مجامع البحوث الإسلامية ومراكز وهيئات الفتوى، رفضت هذا الترخيص، مستدلين بقوله تعالى: ” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ”.
وحسب الإحصائيات الأخيرة، يعيش في النرويج مئتا ألف مسلم، وينقسمون بين نرويجيين أصليين، بجانب المهاجرين من باكستان والعراق والمغرب وتركيا على سبيل الأغلبية.
وأوصى مجلس كبار العلماء المسلمين في السعودية بضرورة مراعاة المرء للتوقيت المحلي طالما أن الليل يمكن تمييزه عن النهار، حتى لو كان ذلك يعني الصوم لأكثر من 23 ساعة يوميا في الصيف، ولبضع ساعات في الشتاء، ووجدوا هذا اختبارا لتعزيز قوة الإيمان بالإسلام.
ووضعت الهيئات الإسلامية ثلاثة حلول واعتمدتها المساجد للمسلمين الذين يعيشون في بلدان لا تغرب فيها الشمس، أو تغرب للحظات غير كافية، ويقدم هذه الحلول بعض العلماء والمنظمات الإسلامية للتسهيل عليهم، بين تصريح بالإفطار على توقيت غروب الشمس في أقرب دولة بعيدة عن الدائرة القطبية وترى الليل والنهار، أو أقرب دولة ذات أغلبية مسلمة، أو ضبط موعد الإفطار على غروب الشمس في السعودية.
وبالنسبة لبعض المسلمين المهاجرين في أيسلندا الذين لا يرغبون في الصيام لمدة 22 ساعة كاملة، فإنهم يميلون إلى اتباع مواعيد شمس بلادهم الأصلية لأن الساعات أقصر.
في أيسلندا وافق اثنان من أكبر المساجد بالعاصمة على اتباع أوقات الفجر والغروب المحلية للصيام والالتزام بها رغم المشقة، في حين اختارت المساجد والهيئات الأخرى متابعة توقيت دول أوروبية أخرى مثل فرنسا.
وبدأت الجالية المسلمة في أيسلندا في الستينيات، حين لم يكن بها مسلمون سوى ثلاثة مصري ومغربي وسوري اختاروا التمسك بدينهم وبناء أول مسجد في البلاد عام 1997، والذي يتزين بالأضواء في شهر رمضان، وتفترش أرضيته بأكواب المشروبات وصناديق التمر وقت الإفطار، وتحمل النساء الأطعمة المعدة منزليًا.
يعيش بهذه الدولة هجائن ثقافية، منتجات حية لعالمين يصطدمان، ففي ريكيافيك العاصمة وحدها حوالي 1500 من المسلمين، يختلفون على موعد الإفطار والإمساك حسب مسجدهم.
ويبدأ أولئك المتمسكون بالتوقيت المحلي صيامهم حوالي الثانية صباحا، ولا يتناولون الإفطار إلا بعد انتصاف الليلة التالية.
لكن الأمر يكون أصعب عند المهاجرين ممن اعتادوا انتظار الغروب لتناول الطعام، فإنهم يفضلون الالتزام بالتوقيت المحلي، خاصة وأن الجو البارد في دول الشمال يسهل من الصيام حتى لو دام طوال اليوم، عكس آسيا والشرق الأوسط حيث ترتفع درجات الحرارة.