تقارير و تحقيقات

إلى أي مدى ستعيق عقوبات “سناب باك” إيران واقتصادها؟

علي زم- مراسلين

طهران- تفاقمت الأوضاع الاقتصادية في إيران مع عودة العقوبات الأممية، خاصة في ظل التراجع المستمر لقيمة العملة الوطنية وانخفاض العائدات النفطية التي تعتمد بنسبة تفوق 90% على صادرات مخفضة الأسعار إلى الصين. ويرى خبراء أن هذه العقوبات قد تضعف موقع طهران التفاوضي مع بكين وتضيف ضغطاً غير مباشر على اقتصاد يرزح أصلاً تحت التضخم والبطالة وسوء الإدارة.

كانت الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) قد اقترحت في وقت سابق تأجيل إعادة فرض العقوبات لمدة ستة أشهر مقابل سماح إيران مجدداً للمفتشين الدوليين بالوصول إلى منشآتها النووية، ومعالجة المخاوف المتعلقة بمخزون اليورانيوم المخصب، وفتح باب التفاوض مع الولايات المتحدة. غير أن الأوروبيين رفضوا لاحقاً المقترح الروسي – الصيني لتمديد التأجيل، بحجة أن إيران لم تلتزم بالشروط المطروحة، ما أدى إلى تفعيل عقوبات “سناب باك” مجدداً.

هذا التطور يأتي بعد شهر من بدء الترويكا الأوروبية إجراءات “سناب باك” التي استغرقت 30 يوماً وأدت إلى إعادة فرض العقوبات الأممية اعتباراً من 27 سبتمبر/أيلول 2025. وكان قد جرى تعليق هذه العقوبات في 2015 بموجب الاتفاق النووي (الـJCPOA) والقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، قبل أن يتهم الأوروبيون طهران بانتهاك التزاماتها.

ما هي العقوبات التي ستعود؟

تشمل العقوبات حظراً على الأسلحة التقليدية، وقيوداً على الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، ومنع تخصيب ومعالجة اليورانيوم، وتجميد الأصول المالية على مستوى العالم، إلى جانب حظر السفر على أفراد وكيانات إيرانية. وتمتد آثارها لتطال قطاعات النفط والنقل البحري والجوي والقطاع المالي والمصرفي.

التأثيرات المتوقعة على إيران

يؤكد خبراء أن عودة عقوبات “سناب باك” ستفاقم الأوضاع الاقتصادية رغم تقليل طهران من شأنها علناً. ويقول غريغوري برو، المحلل البارز في مجموعة أوراسيا: “هذه العقوبات تؤثر بالفعل، إذ يواصل الريال الإيراني تراجعه أمام الدولار وتتزايد حالة التشاؤم داخل مجتمع الأعمال”. وأضاف: “العقوبات ستضعف قدرة إيران التفاوضية مع الصين، التي تشتري معظم نفطها بتخفيضات كبيرة، ما قد يدفع المصافي الصينية للمطالبة بمزيد من التخفيضات ويؤثر سلباً على عائدات النفط الإيراني”.

كيف سترد إيران؟

لوّح نواب في البرلمان الإيراني منذ أشهر بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) إذا ما أُعيد فرض العقوبات، إلا أن خبراء يستبعدون إقدام طهران على هذه الخطوة. ويعتبر برو أن الخروج من المعاهدة سيكون “تصعيداً خطيراً” يرسل رسالة بأن البرنامج النووي الإيراني يحمل إمكانات عسكرية، ما قد يستجلب ضربات إسرائيلية جديدة.

أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي يوصف بالاعتدال، فأكد أن بلاده لا تنوي الانسحاب من المعاهدة، رغم أن سلطاته محدودة دستورياً. وكانت إسرائيل والولايات المتحدة قد شنّتا في يونيو/حزيران 2025 هجوماً استهدف مواقع نووية وعسكرية إيرانية، أسفرت عن مقتل أكثر من ألف إيراني، وردّت طهران بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل قتل فيها عشرات.

كما أعلنت إيران أنها ستخفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا فُعّلت العقوبات، في حين يرى خبراء أن طهران قد تختبر صواريخ بمدى يتجاوز 2000 كيلومتر، وهو الحد الذي التزمت به منذ 2017 لتفادي تهديد الأمن الأوروبي.

العقوبات بين الطابع الرمزي والتأثير الفعلي

رغم أن العقوبات الأممية الجديدة تبدو رمزية مقارنة بالعقوبات الأميركية الأحادية المشددة المفروضة منذ 2018، إلا أنها تمنح غطاءً سياسياً وقانونياً أوسع، ما يقيّد قدرة روسيا والصين على الانخراط العلني في التجارة مع طهران.

سيناريوهات محتملة للملف النووي الإيراني

تتراوح السيناريوهات بين:

  1. العودة إلى اتفاق نووي معدل، بشرط قبول سقف للتخصيب وتقديم ضمانات لإيران بعدم استهدافها عسكرياً.
  2. تصعيد تدريجي يطيل أمد المواجهة دون الوصول إلى حرب شاملة.
  3. مواجهة عسكرية مفتوحة، في ظل تحركات أميركية – إسرائيلية متزايدة.
  4. استمرار الوضع القائم دون حل، مع بقاء العقوبات والتخصيب في مستويات مرتفعة.

حسابات إقليمية ودولية

وترى طهران أن التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان واليمن يندرج ضمن خطة لدفعها إلى مواجهة مباشرة، بينما تفضل تجنّب الحرب ومواصلة بناء قدراتها النووية كورقة ضغط تفاوضية. أما واشنطن، فتدرك أن الدخول في حرب مباشرة قد يستدرج الصين وروسيا إلى مواجهة أوسع، باعتبار إيران شريكاً استراتيجياً لهما وكفة موازنة لنفوذ الغرب في المنطقة.

وترجّح التطورات الأخيرة أن تواصل إيران سياسة “شراء الوقت” لتقوية موقعها التفاوضي، في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة والانقسامات الداخلية بشأن المسار النووي. وفي المقابل، يمنح الغطاء الأممي للعقوبات المجتمع الدولي أداة ضغط إضافية، لكنه يزيد أيضاً مخاطر التصعيد الإقليمي في حال فشل مسار الدبلوماسية.

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews