خطة «الأصابع الخمسة» استراتيجية الاحتلال لتقسيم غزة.. من شارون إلى نتنياهو

شبكة مراسلين
تقرير: محمد خلاف
منذ استئناف إسرائيل عدوانها العسكري على قطاع غزة في 18 مارس الماضي، بدت معالم حملة عسكرية جديدة يقودها رئيس أركان جيش الاحتلال، آيال زامير، حيث تسعى إلى تجزئة القطاع وتقسيمه وفق ما يُعرف بخطة “الأصابع الخمسة”.
تهدف هذه الخطة – بحسب مسؤولي الاحتلال- إلى تحقيق مكاسب استراتيجية لإسرائيل، بالضغط على حركة حماس وإجبارها على تقديم تنازلات.
محاولة نتنياهو للضغط على حماس
وقد ألمح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في إحدى تصريحاته إلى هذه الخطة قائلاً: “إن الحملة العسكرية تستهدف تقسيم القطاع وضم مناطق واسعة ضمن عمليات موسعة”، مشيرًا إلى أن ذلك يصب في إطار “الضغط على حماس لتحقيق أهداف إسرائيل”.
جاءت هذه التصريحات بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي سيطرته على محور “موراج”، الذي يُعد فاصلًا استراتيجيًا بين مدينتي خان يونس ورفح.
وقد نفذت هذه الخطوة فرقة “36” المدرعة، بعد أيام من شن حملة عسكرية مكثفة على مدينة رفح، جنوب قطاع غزة. وطالما أثارت هذه الخطة جدلاً كبيرًا داخل المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية. فبينما يشكك المعارضون في قدرة إسرائيل على تحمل الأعباء الاقتصادية والعسكرية للبقاء في غزة، يدافع نتنياهو وأحزاب اليمين عن ضرورة إعادة احتلال القطاع وإعادة النظر في قرارات الانسحاب السابقة.
خطة «الأصابع الخمسة» وضعها شارون وينفذها نتنياهو
طرحت خطة “الأصابع الخمسة” للمرة الأولى في عام 1971 على يد أرئيل شارون، الذي كان يشغل آنذاك منصب قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلي.
جاءت هذه الخطة بهدف إنشاء حكم عسكري يفرض سيطرة أمنية محكمة على قطاع غزة، من خلال تقسيمه إلى خمسة محاور معزولة، لضمان إحكام القبضة العسكرية عليه.
ركزت الخطة على كسر الاتصال الجغرافي بين أجزاء القطاع وتقطيع أوصاله، عبر إقامة محاور استيطانية مدعومة بوجود عسكري وأمني إسرائيلي دائم.
رأى شارون أن هذه الاستراتيجية ستتيح لجيش الاحتلال فرض حصار محكم على القطاع، مع توفير قدرة على المناورة السريعة بين الدفاع والهجوم في غضون دقائق قليلة فقط.
ظل تنفيذ هذه الخطة قائماً في غزة حتى عام 2005، عندما انسحب جيش الاحتلال من القطاع بموجب اتفاقات “أوسلو” التي وُقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الخطة عادت مجددًا إلى الواجهة مع الحملة العسكرية الإسرائيلية الجديدة، حيث يتم توظيفها كإطار استراتيجي لإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في غزة.
محور “إيرز”: استراتيجية جديدة لفصل شمال قطاع غزة عن مدينة غزة
يُعرف الحزام العسكري الجديد بمحور “إيرز”، حيث يمتد على طول الأطراف الشمالية التي تفصل الأراضي المحتلة عام 1948 عن بلدة “بيت حانون”.
إلى جانبه، شيد جيش الاحتلال محور “مفلاسيم”، الذي يمثل امتدادًا استراتيجيًا يهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين شمال القطاع ومدينة غزة، وذلك ضمن إطار خطة إسرائيلية لإحكام السيطرة على القطاع.
يشمل المحور ثلاث تجمعات استيطانية رئيسية هي “إيلي سيناي”، و”نيسانيت”، و”دوجيت”، ويهدف إلى إنشاء منطقة أمنية تمتد من مدينة عسقلان المحتلة إلى شمال شرق بلدة “بيت حانون”.
وتوضح الخطة أن هذا الحزام يهدف لتعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي على السيطرة الميدانية من خلال إقامة نقاط أمنية وعسكرية ثابتة.
شهدت هذه المنطقة منذ الأيام الأولى للعدوان قصفًا إسرائيليًا مكثفًا، أُطلق عليه وصف “الأحزمة النارية”، حيث استهدف الشريط الشمالي الشرقي للقطاع، وتحديدًا مواقع مستوطنتي “نيسانيت” و”دوجيت”.
ولم تقتصر الغارات على هذه المواقع فقط، بل طالت أيضًا منطقة مشروع الإسكان المصري (دار مصر) في بيت لاهيا، رغم أن المشروع كان لا يزال قيد الإنشاء، مما يؤكد استمرار التصعيد العسكري والدمار الواسع في المنطقة.
محور “نتساريم”: فصل مدينة غزة عن وسط القطاع
يشكل محور “نتساريم” (بالتسمية العبرية “باري نيتزر”) أحد المحاور الأساسية في استراتيجية جيش الاحتلال لتقسيم قطاع غزة. يفصل هذا المحور مدينة غزة عن مخيم النصيرات والبريج في وسط القطاع، ويمتد من كيبوتس “بئيري” شرقًا إلى شاطئ البحر غربًا. في السابق، كان المحور مرتبطًا بقاعدة “ناحل عوز” الواقعة شمال شرق محافظة غزة، مما منحه أهمية أمنية وعسكرية خاصة.
• السيطرة العسكرية على المحور
كان محور “نتساريم” من أوائل المناطق التي دخلها جيش الاحتلال خلال عدوانه المكثف في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أقام موقعًا عسكريًا كبيرًا بطول ثمانية كيلومترات وعرض سبعة كيلومترات، ما يعادل نحو 15% من مساحة قطاع غزة.
• انسحاب ثم عودة إلى العدوان
في إطار اتفاق التهدئة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، انسحب الجيش الإسرائيلي من هذا المحور في 9 فبراير/شباط 2025، بعد مرور 22 يومًا من توقيع الاتفاق.
ومع تجدد العدوان الإسرائيلي على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، استعادت قوات الاحتلال السيطرة على المحور من الجهة الشرقية، بينما بقيت الجهة الغربية مفتوحة، ما يعكس استمرار التصعيد العسكري في المنطقة.
محور “كيسوفيم” لفصل وسط القطاع عن جنوبه
يُعد محور “كيسوفيم”، الذي أنشأه جيش الاحتلال عام 1971، جزءًا من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فصل مدينتي دير البلح وخان يونس في قطاع غزة.
يمتد هذا الحزام الأمني كممر رئيسي يربط بين التجمعات الاستيطانية، حيث يضم مستوطنات مثل كفر دروم، ونيتسر حزاني، وجاني تال.
يشكل المحور امتدادًا للطريق الإسرائيلي 242، الذي يُعتبر رابطًا مهمًا بين مستوطنات غلاف غزة. يعكس هذا الحزام الأمني محاولة لإعادة تشكيل الجغرافيا الأمنية في القطاع، مما يعزز وجود الاحتلال ويتيح التحكم الاستراتيجي في المنطقة.
محور “موراج”: فصل رفح عن خان يونس
أقامت دولة الاحتلال محورًا يعرف باسم “موراج”، كجزء من خطتها لتقسيم قطاع غزة وتعزيز السيطرة الأمنية عليه.
يمتد هذا المحور من نقطة معبر صوفا وصولاً إلى شاطئ بحر محافظة رفح، بطول يصل إلى 12 كيلومترًا. ويعتبر المحور امتدادًا للطريق الإسرائيلي 240، وكان في السابق يضم تجمع مستوطنات “غوش قطيف”، التي شكلت واحدة من أكبر الكتل الاستيطانية في القطاع قبل انسحاب الاحتلال عام 2005.
• السيطرة العسكرية الجديدة
في 2 أبريل الماضي، فرض جيش الاحتلال سيطرته العسكرية على محور “موراج”، بعد عملية عسكرية مكثفة في محافظة رفح. وقد تولت الفرقة رقم 36 المدرعة قيادة عملية السيطرة، في خطوة تشير إلى التوسع العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، والتصعيد المستمر لتعزيز تقسيمه إلى مناطق معزولة.
محور “فيلادلفيا”: أداة لفصل غزة عن الأراضي المصرية
تعود جذور محور “فيلادلفيا” إلى عام 1971، عندما سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال سيطرتها على شبه جزيرة سيناء إلى قطع التواصل الجغرافي والسكاني بين قطاع غزة والأراضي المصرية.
جاء إنشاء هذا المحور كجزء من استراتيجية تهدف إلى تعزيز السيطرة الأمنية، حيث أقامت تجمعًا استيطانيًا بمساحة 140 كيلومتر مربع على امتداد المحور، بعد تهجير أكثر من 20 ألف شخص من أبناء القبائل السيناوية.
• امتداد المحور وسيطرة الاحتلال
يمتد محور “فيلادلفيا” بطول 12 كيلومترًا، من منطقة معبر “كرم أبو سالم” وحتى شاطئ بحر محافظة رفح.
وفي 6 مايو 2024، فرضت دولة الاحتلال سيطرتها العسكرية على المحور بعد عملية واسعة في محافظة رفح.
ومنذ ذلك الحين، تستمر إسرائيل في إبقاء سيطرتها على هذا المحور، مما يعكس استمرار التصعيد العسكري ومحاولات تعزيز الفصل الجغرافي بين غزة والأراضي المصرية.
الإبادة الجماعية لسكان غزة مستمرة
منذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا، إبادة جماعية في قطاع غزة. خلفت هذه العمليات أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.