تقارير و تحقيقاتمال و أعمال

ذهب الصحراء الأبيض: رمال شمال السودان وأسرار السيليكون

ممدوح ساتي / السودان

في شمال السودان، حيث تمتد الصحارى بلا نهاية، لا يختبئ الذهب وحده في باطن الأرض، بل يلمع ذهبٌ أبيض على السطح: رمال ناعمة بيضاء، تكاد لا تلتفت إليها العين، لكنها في الحقيقة مفتاح لصناعات حديثة غيّرت وجه العالم. إنها رمال السيليكا، المصدر الأول لاستخلاص السليكون، قلب التكنولوجيا والاقتصاد العصري.

صحراء غنية بكنوز غير مستغلة

من كثبان دنقلا إلى سهول بورتسودان، تنتشر الرمال البيضاء التي تحتوي على نسب عالية من ثاني أكسيد السيليكون (SiO₂). هذا العنصر هو المادة الخام التي تُبنى عليها صناعات لا غنى عنها: الزجاج، السيراميك، مواد البناء، وحتى الشرائح الإلكترونية والخلايا الشمسية التي تولد الكهرباء من ضوء الشمس.

دراسات علمية محلية أشارت إلى أن بعض المواقع في شمال السودان تحوي رمالاً تصل نسبة السيليكا فيها إلى أكثر من 95–99%، وهو رقم يضعها في مصاف المصادر العالمية. غير أن هذه الرمال تحتاج في كثير من الأحيان إلى معالجات تنقية دقيقة لإزالة الحديد والشوائب الأخرى قبل دخولها خطوط الإنتاج المتقدمة.

من الكثبان إلى التكنولوجيا

قد يبدو غريباً أن يتحول هذا الغبار الأبيض الناعم إلى منتجات تغير حياة الناس يومياً. لكن الحقيقة أن:

ألواح الزجاج التي تملأ ناطحات السحاب تبدأ رحلتها من رمال السيليكا.

شاشات الهواتف الذكية لا ترى النور إلا عبر زجاج عالي النقاء مصدره هذه الرمال.

الألواح الشمسية، التي تمثل أمل الطاقة النظيفة، تحتاج سيليكون شبه نقي مستخلص من نفس المادة.

حتى المواد الكيماوية مثل سيليكات الصوديوم، التي تدخل في المنظفات ولاصقات الورق ومواد البناء، تعتمد كلياً على هذه الرمال.

فرص تطرق الأبواب

في السنوات الأخيرة، ظهرت تقديرات أن احتياطي السودان من رمال السيليكا قد يصل إلى مليارات الأطنان، ما جعله محط أنظار شركات إقليمية ودولية تبحث عن مصادر جديدة لهذا المورد الإستراتيجي. لكن حتى الآن، ما يزال الاستغلال في السودان محدوداً، إذ تتركز صادرات التعدين على الذهب والمعادن الأخرى.

وهنا تكمن الفرصة الذهبية: هل سيبقى السودان مُصدّراً للخام فقط، أم يمكن أن يتحول إلى مركز إقليمي لصناعة الزجاج والسيليكون؟

التحدي أمام السودان

المعادلة واضحة:

التحديات: نقص مصانع التكرير المحلي، الحاجة إلى تقنيات تنقية متقدمة، وبنية تحتية للنقل والتصدير.

الفرص: تأسيس مصانع زجاج حديثة، إنتاج كيماويات محلية بدل استيرادها، والانخراط في سوق عالمية تقدر بمليارات الدولارات.

رمال شمال السودان ليست مجرد مشهد طبيعي يزين الصحراء، بل قد تكون جسر عبور نحو اقتصاد أكثر تنوعاً. ما بين الحبات البيضاء يكمن مستقبل مشرق، ينتظر من يكتشفه ويستثمر فيه. فهل يتحول “ذهب الصحراء الأبيض” إلى قصة النجاح القادمة للسودان؟

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews