أخبارسياسةعربي و دولي

كمال اللبواني بين خرائط الدم وخرافة سايكس بيكو المقلوبة

قراءة في تهديداته ورسائله للجوار والعالم

شبكة مراسلين
بقلم: خالد الجدوع

حين يمر الكلام على حد السكين

عاصفة من الجدل أثارتها مقابلة للمعارض السوري كمال اللبواني مع المحاور رشاد الزغبي في برنامج ” وجهة نظر”، ليكسر خلالها خطوط التماس الكلامية، محمّلًا رسائل متشظية للداخل السوري ولبنان والإقليم بأكمله، من خلال تلميحه ب ” طرابلس مقابل الجولان السوري” إلى حديثه عن سايكس بيكو مقلوب” إسلامي” وبدا اللبواني يستحضر خرائط لا يجرؤ أحد الاقتراب منها علناً.

ما الذي أراد قوله اللبواني؟ وما الأبعاد السياسية الكامنة خلف هذه التهديدات؟ وكيف تستقبل لبنان والإقليم والعالم هذه الرسائل في لحظة فارقة من تاريخ سوريا تجلت بلحظة انتقالية هرب فيها الأسد وخرجت إيران من سوريا وانكفأ حزب الله داخل لبنان عقب ضربة إسرائيلية أودت بحياة قائده العام والصف الأول من قياداته، ودخول سوريا مع إسرائيل بمحادثات غير مباشرة؟

سوريا بلا الأسد.. مختبر صفقات وصراعات

لم تعد دمشق تحت مظلة الأسد ولا نيران الحرس الثوري الإيراني كما كانت قبل تاريخ 8-12-2024، أحمد الشرع الذي حمل راية هيئة تحرير الشام رئيسا لسوريا خلال فترة انتقالية لمدة خمس سنوات، يحظى بدعم واعتراف عربي وغربي

وفي هذا المختبر السوري المفتوح على كل السيناريوهات، يوجّه اللبواني تحذيرًا بصيغة مواربة لا تخلو من السخرية وبنبرة هادئة:

 “لا تثقوا كثيرًا بالهدوء… ما لم يُكتب مصير سوريا بيد السوريين، ستبقى كل الاحتمالات مفتوحة”

هكذا يلخّص المشهد في لحظة تعود فيها قنوات التفاوض بين دمشق وتل أبيب إلى السطح، وسط ضربات إسرائيلية متقطعة على بقايا الدفاعات والصواريخ، ومساعٍ أمريكية حثيثة لإدماج “قسد “ضمن معادلة الحكم الجديد.

لبنان في مرمى التهديد.. خاصرة رخوة وذريعة جاهزة

بنبرته الهادئة والمستفزة للمحاور تجاوز اللبواني حدود سوريا ليغرس شوكة التحذير في خاصرة لبنان، فعبارة ” طرابلس مقابل الجولان” لسيت زلة لسان بل إشارة للمحيط إلى أن العبث في الخريطة السورية سيفتح الباب أمام سيناريوهات ظلت موصده الأبواب منذ سايكس بيكو

في رسالته إلى لبنان يقول بوضوح:

“أنتم مصدر مشاكلنا المزمنة، حزب الله اجتاح سوريا فهل ستبقى حدودكم مصونة؟” ليعيد الحديث عن تغير الخرائط في حال تعرض الساحل السوري لأي تهديد وأشار إلى أن لبنان مازال مصدرا لمشاكل سوريا حيث يحتضن فلول النظام والمجرمون الهاربون من العدالة الانتقالية وتجار المخدرات، وهذا تذكير قاس للبنانيين بأن خريطة سايكس بيكو قد تتغير وتعيدنا للتفكير من جديد بحالة “قضاء لبنان” وفكرة تحويله من لبنان الكبير الى لبنان الصغير، وحث اللبواني طرابلس وسهل البقاع على إعادة التفكير في ولائهما السياسي إذا بقيت زعامات الطوائف تتلاعب بالهويات لصالح تحالفات خارجية على حساب الداخل.

فزاعة الإسلام السياسي.. تذكرة عبور للفوضى العابرة للحدود

التهديد الأخطر في خطاب اللبواني يتجاوز ملف لبنان، إذ يلوّح بإحياء شبح الإسلام الجهادي كبديل إذا سُدّت كل الطرق أمام مشروع الدولة المدنية، بعبارة صادمة يقول:

“إن أُغلق الطريق أمامنا، سنعود إلى الجذور، سنبني دولة إسلامية مستعدة للانتحار ولا تحتاج سلاحًا نوويًا.”

هنا يتحوّل التهديد من ابتزاز داخلي إلى ورقة ضغط إقليمية: إمّا أن يُمنح المشروع الثوري المدني الديمقراطي فرصة حقيقية، وإمّا أمام الفوضى المفتوحة، التي لن تقف عند حدود دمشق، بل ستطال الأردن وامتداده الخليجي، وأن حدود «سايكس بيكو» لم تعد كافية لكبح أي موجة تطرف جديدة.

يقولها بوضوح محذّرًا:

“إن لم تصمد دمشق كدولة موحّدة، فاستعدّوا لحزام راديكالي يمتد من حدود الفرات إلى صحراء الجزيرة وشمال إفريقيا وحتى آسيا الوسطى.”

من “إغراق التفاصيل” إلى “تفجير الخرائط”

تستحضر تصريحات اللبواني في الذاكرة السياسية مشهدًا موازيًا، ففي ذروة الثورة، لوّح وزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم للعالم بعبارته الشهيرة: “سنُغرقكم في التفاصيل.”

كان تهديد المعلم يعني أن نظام الأسد سيحوّل أي محاولة تسوية إلى متاهة لا تنتهي، مستنزفًا خصومه بالوقت والتفاصيل لتظل الكلمة العليا بيد دمشق.

واليوم، يقف اللبواني على الضفة الأخرى، لكن بلغة أكثر حدة: لم يعد التفاوض مجرّد «إغراق في التفاصيل» بل تهديد صريح بـ«تفجير الخرائط» ذاتها إن لم يُكتب الحل بأيدٍ سورية حقيقية من وجهة نظره.

وبين المعلم واللبواني مفارقة تكشف تشابهًا غريبًا: كلاهما، على اختلاف الضفتين، يستخدم الجغرافيا كأداة ابتزاز: فالنظام حوّل التفاصيل إلى متاهة قاتلة، واللبواني يلوّح بفتح الخرائط على المجهول إذا أُغلق باب تشكيل الدولة الديمقراطية واستمرار الدعم للحكومة الحالية التي يعتبرها من وجهة نظره إسلامية راديكالية غير ديمقراطية، تستعمل التقية لإقناع الغرب بأنها قادرة على بناء سوريا وأنها ستكون حليف لهم.

إنذارات متعددة المسارات

من بين سطور المقابلة، يطلق اللبواني رسائل مركّبة لا تتوقف عند الداخل السوري وحده، فهو يوجّه إنذارًا واضحًا للشرع: إن شرعيتك الانتقالية لن تتحوّل إلى دائمة إن تجاهلت القوى الديمقراطية التي فتحت الطريق لسقوط الأسد.

ويذكّر العواصم العربية بأن قبول الشرع كرئيس انتقالي لا يعني نهاية القصة؛ فأي تسوية هشة ستظل مهددة بالانهيار إن لم تُحمَ بسلطة القانون والمؤسسات لا بتوازنات البنادق وحدها.

أما الرسالة الأوضح فهي موجهة إلى واشنطن وتل أبيب: إن إحياء “سايكس بيكو” كحدود ثابتة دون إصلاح جذري للداخل هو رهان خاسر، لأن الخرائط لا تصمد طويلًا إذا لم تُغلق الثغرات أمام الرياح القادمة من الفوضى.

كمال اللبواني: من معارض ديمقراطي إلى صانع فزاعات عابرة للحدود»

في النهاية لا تحمل كلمات اللبواني خطة جاهزة للحرب ولا خريطة معلنة للغزو، لكنها تحمل قنبلة دخانية، تحمل تصريحات استفزازية حد الفجاجة، لكنها رسائل بعيدة عن المجاملة والمواربة، كما كشف خطابه الأخير تناقضا جوهريا بين موقعه التاريخي كأحد رموز المعارضة الديمقراطية للنظام السوري السابق، وبين تحوّله إلى توظيف خطاب تهديدي متداخل مع مفردات تفكيك الحدود وإعادة رسم الخرائط بالقوة، ففي حين يقدّم نفسه بوصفه صوتًا مدنيًا مناهضًا للاستبداد، وجد نفسه بعد تولي أحمد الشرع – الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي – خارج معادلة النفوذ، فاتجه إلى إطلاق تصريحات متناقضة تجمع بين تذكير السوريين بحقهم التاريخي في وحدة الجغرافيا، وبين التلويح للبنانيين بفزّاعة الغزو وإعادة ضم طرابلس وصور، في محاولة لصنع حالة ذعر إقليمية من صعود الإسلاميين وتوليهم السلطة في دمشق.

وفي الوقت الذي يلوح فيه بالقوة والجيوش يصف الشرع ” بالنمر الورقي”

وبينما يلوّح بخرائط القوة والجيوش، يعيد وصف الشرع بـ«النمر الورقي» ليؤكد هشاشة المشروع الإسلامي مقابل ما يصوّره من أوراق ردع عابرة للحدود، موظفًا ورقة اللاجئين كورقة ضغط ديموغرافي وسياسي معًا، وبهذا يراوح خطابه بين شعارات الديمقراطية ووحدة الأرض السورية من ناحية، واستدعاء خطاب الفوضى وخرائط السلاح من ناحية أخرى، في مفارقة تكشف أزمة بعض النخب المعارضة العالقة بين إرثها المدني ووسائل الضغط القصوى في مشهد إقليمي بالغ التعقيد.

وبهذا، يتبدّى خطاب اللبواني مثالًا صارخًا على مفارقةٍ مؤلمة؛ إذ تنقلب شعارات الديمقراطية عند انسداد الأفق إلى أوراق ضغط ملوّثة بخطاب التفكيك والتهديد، لتتحوّل من حلم التغيير إلى صناعة فزاعات جديدة تزرع الهواجس داخل الحدود وتصدّرها إلى ما وراءها.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews