سُجن الحرف، لكن المعنى لا زال حرًّا

شبكة مراسلين
بقلم: سجى شبانة
في البلاد التي تعلّق صور الشهداء على الجدران، وتكتب القصائد في حبّ الوطن، يُعتقل ناصر اللحام.
يُجرّ إلى التحقيق لا لأنه ارتكب جريمة، بل لأنه لم يخن الحبر، ولم يساوم على الحقيقة، ولم يُبدّل موقفه حين كان التلوّن أسهل الطرق للنجاة..
ناصر، الذي اعتاد أن يسأل أكثر مما يجيب، وأن ينقل الحقيقة ولو على صفيحٍ مشتعل، لم يكن صحفيًا فحسب، بل ضميرًا شعبيًا يتكلم، ذاكرةً تمشي على قدميها وتخز جرح الصمت
هو الذي لم يكتب يومًا من أجل السلطة، بل كتب ليكون شوكةً في خاصرتها حين تنسى من هم الناس، ومتى يكون الصمت جريمة.
فمَن يعتقل ناصر؟
من يجرؤ على تكميم من علّم الناس كيف يكون للخبر روح، وللكلمة موقف، وللإعلام ضمير؟
سُجن الحرف… نعم،
لكنّ المعنى لا زال حرًّا في قلوبنا، في شاشاتنا، في سجلات الكلمات التي كتبها ولم تُمحَ.
لا يُعتقل النور، وإن ظنّوا أن القضبان تحجب الفجر.
ليس من القانون أن يُجَرَّ الحرف إلى الزنازين لأنه قال “لماذا؟”
ولا من العدالة أن تُكمم فمًا لأنه روى ما رآه دون تزييف.
القوانين التي تحترم نفسها تُكرّم الصحافة لا تحاصرها، تُحاور الكلمة لا تحقق معها، وتعلم أن حرية التعبير ليست منحة من السلطة بل حقٌ لا يُنتزع.
فحين يُعتقل صحفيٌ بلا محاكمة عادلة، ولا تهمة واضحة، فإن الجريمة لا تكون في المقال… بل في اليد التي كتمت صوته.
العدالة لا ترتجف من الميكروفون، بل تصغي إليه.
ولا تنصب المشانق للأفكار، بل تحتكم إليها.
فيا من سجنتم الحرف،
افعلوا ما شئتم،
لكنكم لن تقووا على حبس المعنى…
لأن المعنى ولد حرًّا، وسيبقى كذلك ما دام في هذا الشعب من يقرأ، ويسأل، ويكتب، ويقاوم بالصوت والكلمة.