أخبارسياسة

ترامب يواصل حربه على الجامعات الأمريكية: إقالة أكاديميين واعتقال طلاب وإلغاء التمويل

IBRAHIMOGLU

في تصعيد غير مسبوق، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضغط على الجامعات الأمريكية الكبرى، مستخدمًا التهديد بقطع التمويلات الفيدرالية كأداة لإخضاعها لسياساته. وشهدت الأيام الماضية تغييرات دراماتيكية في عدد من أبرز المؤسسات الأكاديمية في البلاد، كان أبرزها استقالة القائم بأعمال رئيس جامعة كولومبيا، وإقالة رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد، البروفيسور التركي الأصل جمال كفادار، إلى جانب مساعدته روزي بشير. كما طالت التدابير القمعية طلابًا ناشطين، من بينهم الطالبة التركية رميسة أوزتورك، التي اعتُقلت بسبب كتاباتها عن القضية الفلسطينية.

إجراءات صارمة تهدد استقلالية الجامعات

أثارت سياسات ترامب تجاه الجامعات موجة من الجدل، خصوصًا بعد قراره إلغاء 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة كولومبيا، بحجة أن إدارتها فشلت في التصدي لمعاداة السامية أثناء الاحتجاجات الطلابية الأخيرة. وجاءت هذه الخطوة في سياق حملة واسعة لمواجهة الحراك الطلابي في الجامعات، الذي تصاعد خلال العام الجاري بسبب مواقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية.

وتحت تهديد قطع التمويلات، وجدت جامعة كولومبيا نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات كبيرة، بما في ذلك تشديد القيود على الأنشطة الطلابية وإعادة النظر في سياسات التعبير داخل الحرم الجامعي. وأدى ذلك إلى استقالة القائم بأعمال رئيس الجامعة، كاترينا أرمسترونغ، وسط تكهنات بأن رحيلها جاء نتيجة الضغوط السياسية المكثفة التي تواجهها الجامعة.

إقالة أكاديميين في هارفارد بسبب مواقفهم السياسية

لم تقتصر تداعيات هذه الحملة على جامعة كولومبيا وحدها، حيث شهدت جامعة هارفارد تحركات مماثلة، إذ أعلنت إدارة الجامعة إقالة رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، البروفيسور جمال كفادار، إلى جانب مساعدته روزي بشير.

ووفقًا لمصادر أكاديمية، فإن الإقالة جاءت بعد تعرض كفادار وبشير لحملة اتهامات بمعاداة السامية، بسبب الأنشطة البحثية والندوات التي نظموها حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعلى الرغم من عدم إعلان أسباب رسمية واضحة لإقالتهما، إلا أن قرارهما بمغادرة منصبيهما يعكس تصاعد الضغوط السياسية على المؤسسات الأكاديمية، خصوصًا في ظل محاولات الإدارة الأمريكية فرض رقابة مشددة على أقسام دراسات الشرق الأوسط في الجامعات.

وفي تصريح مقتضب، قال ديفيد كاتلر، العميد المؤقت لجامعة هارفارد، إن كفادار سيغادر منصبه بنهاية العام الجاري، دون تقديم مزيد من التفاصيل حول أسباب القرار. وبالمثل، لم توضح الجامعة أسباب إقالة بشير، مكتفية بالتأكيد على أن كليهما سيواصلان التدريس في الجامعة، لكن دون أدوار إدارية.

إلى جانب إقالة الأكاديميين، فرضت الجامعة إجراءات رقابية إضافية على قسم دراسات الشرق الأوسط، بحيث أصبح خاضعًا لرقابة مشددة من قبل جهات خارجية، وهو ما أثار موجة من الاستياء داخل المجتمع الأكاديمي.

اعتقال طالبة تركية بسبب كتاباتها عن فلسطين

في تطور أكثر خطورة، امتدت حملة التضييق إلى الطلاب، حيث تم اعتقال الطالبة التركية رميصة أوزتورك على يد عناصر من الأمن القومي يرتدون ملابس مدنية أثناء سيرها في أحد شوارع المدينة. وأشارت تقارير إلى أن اعتقالها جاء على خلفية مقالات نشرتها حول القضية الفلسطينية، والتي اعتُبرت تحريضية من قبل السلطات الأمريكية.

كما شهدت جامعة كولومبيا اعتقال طالب الدراسات العليا الفلسطيني، محمود خليل، مطلع هذا الشهر من قبل سلطات الهجرة الفيدرالية، وسط تزايد المخاوف من استهداف الطلاب الأجانب الذين يعبرون عن آرائهم السياسية داخل الجامعات الأمريكية.

تصاعد الجدل حول انتهاك الحريات الأكاديمية

أثارت هذه الحملة القمعية غضبًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والحقوقية، حيث اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان انتهاكًا صارخًا للتعديل الأول من الدستور الأمريكي، الذي يضمن حرية التعبير وحق الأفراد في الاحتجاج السلمي.

وأكد عدد من أساتذة الجامعات أن الإجراءات التي تتخذها إدارة ترامب تهدد جوهر الحريات الأكاديمية، وتجعل المؤسسات التعليمية خاضعة بالكامل لضغوط سياسية، مما قد يؤدي إلى تآكل استقلاليتها.

وفي ظل هذه التطورات، تقدم مجموعة من الأكاديميين بدعوى قضائية ضد إدارة ترامب، احتجاجًا على التدخلات المتزايدة في شؤون الجامعات. وقالت المجموعة في بيان مشترك:

“القرارات التي تتخذها الحكومة اليوم لا تستهدف فقط الأفراد، بل تضرب في صميم مبدأ الاستقلال الأكاديمي، وتهدد مستقبل البحث العلمي الحر في الولايات المتحدة.”

هل تتصاعد الأزمة؟

بدأت موجة الاحتجاجات الطلابية في جامعة كولومبيا خلال صيف 2024، حيث نظم الطلاب سلسلة من المظاهرات لمطالبة الجامعات بإنهاء استثماراتها في الشركات المرتبطة بإسرائيل، احتجاجًا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وسرعان ما انتقلت الاحتجاجات إلى جامعات أخرى، مما دفع إدارة ترامب إلى تشديد قبضتها على الجامعات وإطلاق تهديدات بقطع التمويل الفيدرالي عنها.

ومع تصاعد الاستياء داخل الأوساط الأكاديمية، يبدو أن المواجهة بين الجامعات وإدارة ترامب لن تنتهي قريبًا. فبينما تصر الحكومة على فرض رقابة سياسية على المؤسسات التعليمية، يتمسك الأكاديميون والطلاب بحقهم في حرية التعبير والاستقلال الأكاديمي، مما يجعل الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة.

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews