أخبارتركياتقارير و تحقيقاتسلايدرسياراتعربي و دولي

إسرائيلXتركيا.. لماذا تدعم تل أبيب الجماعات الكردية المسلحة؟


أبوبكر خلاف

يشهد الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية معقدة تعيد تشكيل التحالفات وتؤثر على العلاقات بين الدول الإقليمية. في هذا السياق، تبرز العلاقة بين إسرائيل والجماعات الكردية المسلحة كإحدى النقاط الجدلية التي تثير تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية والدوافع السياسية.

على مدى سنوات، لعبت إسرائيل دورًا غير مباشر في دعم الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسوريا، مما أثار استياء تركيا التي تعتبر هذه الجماعات تهديدًا لأمنها القومي. هذا الدعم يعكس تداخل المصالح الإسرائيلية مع المعادلات الإقليمية، حيث تسعى تل أبيب لتعزيز وجودها ونفوذها في المناطق التي تضعف فيها سيطرة الدول المركزية.

في هذه المقدمة، سنسلط الضوء على الأسباب التي تدفع إسرائيل لاتخاذ هذا الموقف، بدءًا من مصالحها الأمنية والسياسية، مرورًا برغبتها في إضعاف خصومها الإقليميين، وصولاً إلى محاولاتها تعزيز التعاون مع الأقليات القومية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

نظرة اسرائيلية

تلعب الدوافع الأمنية والسياسية دورًا محوريًا في توجه إسرائيل لدعم الجماعات الكردية المسلحة. من خلال هذه السياسة، تحاول إسرائيل تحقيق التوازن بين إضعاف خصومها الإقليميين وتوسيع نفوذها في المنطقة، مما يجعل دعم الأقليات مثل الأكراد جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها طويلة المدى.

وتنظر إسرائيل إلى العلاقة مع الجماعات الكردية المسلحة كجزء من استراتيجيتها الأوسع لتعزيز أمنها القومي وتحقيق مصالحها الإقليمية. يمكن تفصيل الأسباب التي تدفعها لاتخاذ هذا الموقف على النحو التالي:

1. المصالح الأمنية والسياسية

إسرائيل تعتبر أمنها القومي أولوية قصوى في سياساتها الإقليمية. من هذا المنطلق، ترى أن دعم الجماعات الكردية المسلحة يحقق أهدافًا متعددة منها:

  • إنشاء مناطق عازلة: تعزيز الأكراد يمكن أن يؤدي إلى تقويض نفوذ الدول المعادية لإسرائيل، مثل إيران وسوريا، مما يوفر حزامًا أمنيًا غير مباشر حول إسرائيل.
  • الحصول على حلفاء غير تقليديين: الجماعات الكردية، التي تشعر غالبًا بالخذلان من القوى الإقليمية والدولية، قد تعتبر إسرائيل شريكًا يمكن الاعتماد عليه، مما يخلق ولاءات جديدة تصب في مصلحة إسرائيل.

2. إضعاف الخصوم الإقليميين

  • إضعاف تركيا: ترى إسرائيل في تركيا منافسًا إقليميًا قويًا، وخاصةً بعد صعود دور أنقرة كلاعب مؤثر في قضايا المنطقة. دعم الجماعات الكردية المسلحة، التي تعتبرها تركيا تهديدًا وجوديًا، يشكل وسيلة للضغط على أنقرة وإشغالها داخليًا.
  • تقويض النفوذ الإيراني: إيران تعتمد على جماعات شيعية وميليشيات مسلحة لتعزيز نفوذها الإقليمي. دعم الجماعات الكردية المسلحة في المناطق التي تعمل فيها هذه الميليشيات يمكن أن يعرقل النفوذ الإيراني ويخلق توازنًا مضادًا.
  • إضعاف الحكومة السورية: دعم الأكراد في سوريا يساهم في إضعاف سيطرة النظام السوري، الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا بسبب علاقاته مع إيران وحزب الله.

3. تعزيز التعاون مع الأقليات القومية

إسرائيل تعتمد على مبدأ “التحالف مع الأقليات” كاستراتيجية لإيجاد شركاء داخل الدول المعادية لها.

  • الأكراد كشريك موثوق: الأكراد يمثلون أقلية قومية لها طموحات سياسية كبيرة، ويشعرون بالتهميش والاضطهاد من قبل الحكومات المركزية. هذا يجعلهم أكثر تقبلاً لدعم خارجي يساعدهم في تحقيق أهدافهم.
  • بناء نفوذ في مناطق متنازع عليها: التعاون مع الأكراد يمنح إسرائيل نفوذًا في مناطق غنية بالموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، خاصةً في شمال العراق وسوريا.
  • دعم الأقليات كأداة للضغط الدولي: من خلال دعم الأقليات، تسعى إسرائيل إلى الظهور كمدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، مما يحسن صورتها دوليًا.

4. تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى

  • تقسيم المنطقة إلى كيانات أصغر: إسرائيل تدرك أن تفتيت الدول الكبرى إلى كيانات أصغر وأضعف يمكن أن يخدم مصلحتها في تقليل التهديدات المحتملة.
  • إعادة رسم خريطة التحالفات: دعم الأكراد قد يساهم في إنشاء كيان كردي مستقل أو شبه مستقل، وهو ما قد يصبح حليفًا محتملاً لإسرائيل في المستقبل.

الخيارات الإسرائيلية للتأثير على الحملة العسكرية التركية   

لإسرائيل خيارات متعددة على الصعيد السياسي والإعلامي والعسكري لوقف أو التأثير في الحملة العسكرية التركية المحتملة ضد الجماعات الكردية المسلحة. إليك بعض الأفكار حول كيفية التصرف في كل مجال:

1. سياسياً:

  • التفاوض مع تركيا: يمكن لإسرائيل استخدام قنوات دبلوماسية للتواصل مع الحكومة التركية، خاصة إذا كانت هناك علاقات ثنائية أو مصالح مشتركة قد تساعد في إقناع تركيا بتخفيف الحملة أو تقييدها. قد تشمل هذه النقاط:
    • ضمانات بشأن سلامة مصالح تركيا في المناطق الكردية.
    • توفير حلول سياسية للمسألة الكردية في المنطقة.
  • الضغط على المجتمع الدولي: يمكن لإسرائيل العمل مع الحلفاء في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي للضغط على تركيا لوقف التصعيد، عبر توجيه انتقادات دبلوماسية أو عبر فرض عقوبات اقتصادية.
  • التعاون مع القوى الكردية: يمكن لإسرائيل دعم قوى كردية معينة، خاصة في العراق أو سوريا، لتقوية موقفهم ضد الهجوم التركي. مثل هذا الدعم قد يشمل تعزيز العلاقات الاستخباراتية أو توفير مساعدات لوجستية أو عسكرية غير مباشرة.

2.أهداف إعلامية

تعمل إسرائيل أيضا على تحقيق بعض المكتسبات الإعلامية من خلال دعم دولة الأكراد من خلال:

  • تسليط الضوء على الانتهاكات: يمكن لإسرائيل توجيه وسائل الإعلام الدولية للتغطية على أي انتهاكات قد تحدث في الحملة العسكرية التركية. مثل هذه التغطية يمكن أن تؤدي إلى زيادة الضغط الدولي على تركيا لوقف العمليات العسكرية.
  • دعم السرد الكردي: دعم سردية حقوق الأكراد وترويج القصص التي تسلط الضوء على معاناتهم قد تكون وسيلة لإسرائيل للتأثير في الرأي العام الدولي ضد الحملة التركية.
  • الضغط الإعلامي على الحكومات الغربية: من خلال وسائل الإعلام، يمكن لإسرائيل تحفيز الحكومات الغربية لاتخاذ مواقف حازمة ضد التصعيد التركي، لا سيما إذا كانت هناك علاقات استراتيجية بين إسرائيل والغرب تتداخل مع القضايا الكردية.

3. عسكرياً:

  • التعاون الاستخباراتي مع الأطراف المتضررة: من الممكن لإسرائيل توفير الدعم الاستخباراتي للأكراد في شمال سوريا أو العراق لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات التركية.
  • الدعم اللوجستي أو الأسلحة: إسرائيل قد تقدم دعماً غير مباشر عبر توفير أسلحة أو تدريب للمقاتلين الأكراد، رغم أن هذا قد يثير ردود فعل سلبية من تركيا.
  • مراقبة الوضع العسكري: من خلال التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مثل الطائرات بدون طيار (درون)، يمكن لإسرائيل مراقبة التطورات العسكرية في المناطق الكردية، ما قد يساعد في تقييم نوايا تركيا واتخاذ خطوات دبلوماسية استباقية.

ويعتمد نجاح هذه الإجراءات بشكل كبير على الوضع السياسي الإقليمي والدولي، فضلاً عن قدرة إسرائيل على التفاعل مع القوى العالمية واللاعبين الإقليميين لتأمين مصالحها.

مصلحة اسرائيل مع الأكراد

إسرائيل قد تكون لديها عدة مصالح استراتيجية في الدفاع عن المجموعات الكردية المسلحة أو دعمها في مواجهة الهجمات التركية، بالرغم من التوترات الإقليمية والمصالح المتباينة. إليك بعض الأبعاد المحتملة للمصلحة الإسرائيلية في هذه القضية:

1. تحقيق التوازن الإقليمي:

  • مواجهة النفوذ التركي: تركيا تعد منافساً استراتيجياً لإسرائيل في المنطقة، خاصة في سياق علاقاتها مع دول مثل إيران وسوريا. دعم إسرائيل للمجموعات الكردية المسلحة قد يكون بمثابة وسيلة للحد من النفوذ التركي في مناطق استراتيجية، مثل شمال سوريا أو العراق.
  • الحد من التأثير الإيراني: إيران تشارك تركيا في المصالح الإقليمية، خاصة في سوريا والعراق. الأكراد في هذه المناطق يمكن أن يكونوا معارضين للنفوذ الإيراني، وبالتالي قد تجد إسرائيل أن دعم الأكراد يتماشى مع استراتيجية مكافحة النفوذ الإيراني في المنطقة.

2. تحقيق مصالح أمنية استراتيجية:

  • تعزيز التعاون الاستخباراتي: الأكراد في سوريا والعراق تعاونوا مع إسرائيل في الماضي في مجال الاستخبارات. دعم المجموعات الكردية قد يعزز من التعاون الاستخباراتي بين الطرفين، وهو ما قد يفيد إسرائيل في جمع معلومات حيوية عن تحركات الجماعات المسلحة في المنطقة.
  • استخدام الأكراد كمجموعة موالية: الأكراد في سوريا والعراق لديهم تاريخ طويل من القتال ضد القوى التي تشكل تهديداً لإسرائيل، مثل إيران والجماعات المسلحة التابعة لها. دعم هذه المجموعات قد يساهم في إنشاء حليف موثوق ضد هذه القوى.

3. الحد من تهديدات جماعات إرهابية:

  • التهديد الكردي ضد التنظيمات الإرهابية: الأكراد في سوريا (مثل وحدات حماية الشعب YPG) كانوا جزءاً من التحالف الذي قاد الحرب ضد داعش في مناطق مثل شمال سوريا. من خلال دعم هذه الجماعات، يمكن لإسرائيل تعزيز الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، وهو ما يتوافق مع مصالحها الأمنية.
  • التقليل من تأثير الجماعات المسلحة المدعومة من إيران: من خلال دعم الأكراد في شمال العراق وسوريا، يمكن لإسرائيل الإسهام في تقليل تأثير الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مثل حزب الله أو ميليشيات الحشد الشعبي في العراق.

4. دعم حقوق الإنسان والسياسة الدولية:

  • الدفاع عن حقوق الأكراد: دعم إسرائيل للأكراد يمكن أن يكون جزءاً من سياسة أكبر لتعزيز موقفها في الغرب على صعيد حقوق الإنسان. بالنظر إلى الدعم الدولي الكبير للمجموعات الكردية، قد تستفيد إسرائيل من هذه القضية لتعزيز صورتها في المجتمع الدولي كداعم لحقوق الأقليات.
  • تعزيز العلاقات مع الغرب: العديد من الدول الغربية تدعم الحقوق الكردية في سوريا والعراق، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبالتالي فإن دعم إسرائيل للأكراد قد يعزز من علاقاتها مع هذه الدول ويكسبها تأييداً دبلوماسياً.

5. خلق توازن ضد الأنظمة العربية والإيرانية:

  • منافسة مع الأنظمة العربية: الدعم الكردي قد يساهم في خلق حالة من التوازن ضد الأنظمة العربية الداعمة لتركيا أو إيران، مثل قطر أو العراق. في هذا السياق، تعتبر إسرائيل أن دعم الأكراد قد يعزز من موقفها في مواجهة القوى العربية والإقليمية الكبرى.
  • رد على السياسات التركية: قد يكون دعم الأكراد جزءاً من الرد الإسرائيلي على السياسات التركية في المنطقة. دعم إسرائيل للمجموعات الكردية المسلحة قد يكون وسيلة لموازنة التأثير التركي في سوريا والعراق.

6. تقوية العلاقات مع الأكراد في الشرق الأوسط:

  • تعزيز العلاقات المستقبلية مع الأكراد: دعم الأكراد يمكن أن يساعد إسرائيل على بناء علاقات طويلة الأمد مع هذه الجماعات، بما يضمن لها نفوذاً في مناطق استراتيجية. هذا التعاون يمكن أن يستمر على المدى البعيد إذا تم الاعتراف بأهمية الأكراد كقوة فاعلة في الشرق الأوسط.

كما أن المصلحة الإسرائيلية في دعم المجموعات الكردية المسلحة تتنوع بين العوامل الأمنية، السياسية، الاستراتيجية والدبلوماسية. إسرائيل قد تستفيد من هذا الدعم لخلق تحالفات في المنطقة تساهم في تقليص النفوذ التركي والإيراني وتعزيز موقفها في الساحة الدولية.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews