أخبارتقارير و تحقيقات

بعد الضربة الإسرائيلية على الدوحة.. الخطوط الحمراء تُعاد صياغتها

ترجمة حصرية

دول المنطقة تعيد تقييم التنسيق الأمني ​​والتطبيع والاعتماد على الحماية الأمريكية

ترجمة وتحرير: عصام حريرة

حكومات المنطقة تعيد تقييم التنسيق الأمني ​​والتطبيع والاعتماد على الحماية الأمريكية بعد الضربة “الإسرائيلية” على قطر في التاسع من أيلول/ سبتمبر.

لقد أدت الضربة الجوية “الإسرائيلية” في التايع من أيلول/ سبتمبر الجاري، التي استهدفت قادة حماس في قطر، إلى إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية الإقليمية، ما دفع دول الخليج ومصر وتركيا والولايات المتحدة إلى إعادة النظر في موازناتها. من جهتها، وصفت “إسرائيل” الضربة بأنها “عملية مُستهدفة ضد القيادة السياسية لحماس”، وأثارت تداعياتها تساؤلات حول التنسيق الأمني ​​العربي، ومصداقية الضمانات الأمريكية، ومتانة اتفاقيات التطبيع. وقد كان رد فعل واشنطن مُدروسًا بعناية؛ فقد تحدث الرئيس “ترامب” سريعًا مع أمير قطر، ثم التقى لاحقًا برئيس الوزراء في نيويورك، مؤكدًا على أهمية قطر كحليف، ومُعززًا اتفاقية التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وقطر.

رغم ذلك، وكما ذكر “جاستن ألكسندر”، مدير “خليج إيكونوميكس” ومحلل الشؤون الخليجية في “جلوبال سورس بارتنرز”، كانت النبرة أكثر ليونة بشكل ملحوظ من نبرة العواصم الغربية الأخرى. وقال “ألكسندر” لصحيفة “ذا ميديا لاين”: “مقارنةً مع المملكة المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا، كان رد الفعل الأمريكي أقل انتقادًا لإسرائيل بكثير؛ حيث صوّر كل من ترامب والمسؤولين الأمريكيين مقتل أعضاء حماس كهدف جدير بالاهتمام، لكنهم أعربوا عن أسفهم لمحاولة تنفيذه في الدوحة. وفي الخليج، بدا هذا بمثابة قبول ضمني؛ فكانت الرسالة أن عمل إسرائيل كان مؤسفًا في موقع تنفيذه، لكنه مشروع في هدفه، يُقرأ هذا النوع من التناقض في جميع أنحاء المنطقة على أنه ضوء أخضر”.

وقال “ألكسندر” إن هذا قد “هز أحد الافتراضات الأساسية لأمن الخليج؛ الضمان الأمريكي الضمني”، مضيفًا: “لطالما كان هناك اعتقاد بوجود مستوى معين من الحماية الأمريكية، لا سيما لقطر، التي تستضيف قاعدة العديد الجوية. وبالتالي، فإن فكرة أن إسرائيل يمكن أن تضرب هناك دون أن توقفها واشنطن تقوض هذه الثقة. حتى لو أصر الرئيس ترامب على أنه اكتشف الأمر متأخرًا جدًا، فهناك تصور واسع الانتشار بأن الولايات المتحدة وفرت الغطاء، وفي عواصم الخليج يعتبر التصور خطيرًا بقدر ما هو حقيقة”. وأوضح “ألكسندر” أن “واشنطن تقلل من شأن الثقل الرمزي للضربة، بينما لم يقتصر الأمر على أعضاء حماس فحسب؛ فقد قُتل شرطي قطري في الهجوم. وبالنسبة لدولة يبلغ عدد مواطنيها حوالي 300 ألف مواطن قطري فقط، فإن فقدان أحد مواطنيها له وقعٌ عميق، وقد تردد صدى ذلك ليس في الدوحة فحسب، بل في جميع أنحاء الخليج”.

من جانبه، أشار “حسنين مالك”، المدير الإداري لاستراتيجية أسواق الأسهم والأسواق الناشئة والجيوسياسية في منصة “تيليمر” (منصة أبحاث وتحليلات متخصصة تركز على الأسواق الناشئة والأسواق الحدودية)، إلى أن العلاقات الدفاعية الأمريكية القطرية تنطوي على تصورات معقدة، منوهًا إلى إن مجلس التعاون الخليجي سيواجه تساؤلاتٍ أكثر جديةً بشأن اعتماده على الغطاء الدفاعي الأمريكي. وقال “مالك” لصحيفة “ذا ميديا ​​لاين”: “ربما كان لتجديد اتفاقية التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وقطر تأثير على ما يبدو تواطؤًا أمريكيًا في الغارة الجوية “الإسرائيلية”، وسيُجبر هذا الحدث دول مجلس التعاون الخليجي على مواجهة معنى الاعتماد على الولايات المتحدة كغطاء دفاعي في العصر الحديث”.

في هذا الإطار أيضًا، يقول محللون إن الإمارات، الدولة العربية الوحيدة التي حافظت على علاقات مفتوحة مع “إسرائيل” طوال حرب غزة، تواجه الآن ضغوطًا شديدة؛ فقد استدعت أبوظبي بالفعل نائب السفير “الإسرائيلي” واستبعدت الشركات “الإسرائيلية” من معرض دبي للطيران.

وأضاف “مالك” أن المخاطر تشمل مستقبل “اتفاقيات أبراهام”، مشيرًا إلى أن “الإمارات ستتردد في إلغاء اتفاقيات أبراهام، نظرًا لأنها ساعدت في دعم تدفق صناديق الاستثمار، وموظفيها الأثرياء، وعلاقاتها السياسية الأمريكية، ما ساهم في الموجة الأخيرة من النمو غير النفطي، لكن الإجراءات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية تُعرّض هذا للخطر”. لكن “مالك” جادل أيضًا بأن أي تحرك نحو الأمن الخليجي الجماعي سيتطلب إعادة تفكير جذرية، وأضاف: “إن التحول نحو قوات خليجية مشتركة يتطلب تغييرًا جذريًا بعيد الاحتمال في ظل الاستقلالية التي تتمسك بها كل دولة بشدة.”

من جانبها، تفاعلت القاهرة مع الأمر بقلق؛ حيث أشارت معلومات استخباراتية إلى أن “إسرائيل” فكّرت حتى في ضرب شخصيات من حماس في مصر قبل عملية الدوحة. فقد صرح العميد المتقاعد “سمير راغب”، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، لصحيفة “ذا ميديا ​​لاين”: “على إسرائيل أن تفكر مليًا قبل اتخاذ مثل هذا الإجراء هنا، لقد كان سلامنا الأقوى والأطول عمرًا في المنطقة، وقد صمد رغم الحروب والاغتيالات والاستفزازات. لكن السلام لا يعني الاستسلام التام، وانتهاك السيادة سيشعل جحيمًا في كل مكان؛ فمصر ليست قطر، وأي هجوم على القاهرة سيُعامل كإعلان حرب، وأي ضربة ستُشكل سابقة خطيرة.”

وقال “راغب”: “إن الإصرار على ملاحقة القادة الفلسطينيين في أي دولة يفتح الباب أمام ضربات في أي مكان؛ لبنان، سوريا، قطر، وغيرها. لقد غيّر هذا التصعيد القواعد، فلم يعد الأمر يتعلق بعمليات اغتيال مستهدفة في غزة أو أي مكان آخر، بل هو اعتداء على السيادة العربية والإسلامية نفسها. ولهذا السبب لاقى هجوم الدوحة صدىً قويًا في جميع أنحاء العالم العربي، وتُعاد كتابة الخطوط الحمراء”.

كما جادل “راغب” بأن “إسرائيل” ستُخطئ في تقدير قوة الردع المصرية”، وأضاف: “الحرب بين مصر وإسرائيل غير ممكنة اليوم، فلا توجد أهداف قابلة للتحقيق، والدخول في حرب غزة يعني قتل أطفالنا إلى جانب الفلسطينيين. علاوةً على ذلك، أظهرت حرب إسرائيل في غزة أنها أضعف مما كان يُتصور. فالجيش الإسرائيلي الحالي أضعف من الجيش الذي حاربناه عام 1973، بينما الجيش المصري أقوى بكثير مما كان عليه آنذاك”.

على صعيد آخر، اعتُبرت تركيا، التي تستضيف أيضًا بعض أعضاء حماس، هدفًا “إسرائيليًا” محتملًا، وبينما انتشر القلق بين المعلقين، حافظت السلطات التركية على ثقتها. وقد أوضح الدكتور “بارين كايا أوغلو”، الأستاذ المساعد للدراسات الأمريكية في جامعة العلوم الاجتماعية في أنقرة “ASBÜ”، السبب في ذلك قاىلًا: “أنقرة أكثر ارتياحًا بشأن احتمال توجيه ضربة إسرائيلية على الأراضي التركية. وقد استعد الجيش لمثل هذه السيناريوهات بالفعل، خاصة خصوصًا بعد محاولة الانقلاب عام 2016 وتطهير الضباط الخونة. وتنفيذ ضربة إسرائيلية محدودة في سوريا أمر وارد، لكن القيام بهجوم مباشر على تركيا سيكون ضربًا من الجنون. فقد تمتلك إسرائيل قوة جوية قوية، لكن القوات البحرية التركية تفوق نظيرتها الإسرائيلية، وسيؤدي أي هجوم إلى رد انتقامي لا تستطيع إسرائيل استيعابه”.

وأضاف “كايا أوغلو” أن أنقرة لا تثق كثيرًا في تدابير الدفاع الجماعي لحلف “الناتو”، مذكّرًا بنقص الدعم خلال مواجهتها مع روسيا عام 2015. أما بالنسبة للحلف، فإن أنقرة لا تثق كثيرًا بالمادتين 4 أو 5؛ فخلال أزمة “سو-24″ مع روسيا، لم تتلقَّ تركيا سوى القليل من المساعدة أو لم تتلقَّ أي مساعدة أصلًا. والأسوأ من ذلك، أن حلفاء مثل الولايات المتحدة وهولندا سحبوا بطاريات الدفاع الجوي باتريوت من جنوب تركيا. لذا، فرغم حمايتها الفنية، تُدرك أنقرة أن التزامات الحلف غير موثوقة عمليًا”.

كما جادل “كايا أوغلو” بأن تعامل أنقرة مع حماس غالبًا ما يُساء فهمه، مضيفًا: “تُبالغ وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية في علاقات تركيا بحماس؛ في الواقع يُعتقد أن واحدًا أو اثنين فقط من كبار القادة يعيشون هنا. ودعم أنقرة محدود ومتجذر في حقيقة فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006. فقد كانت الفكرة دائمًا إقناعهم بنزع سلاحهم والتحول إلى حزب سياسي في إطار حل الدولتين، وكان هذا هو منطق التعامل وليس الرعاية العسكرية”.

وعقب الهجوم “الإسرائيلي” مباشرة، شنت قطر هجومًا دبلوماسيًا مضادًا؛ حيث دعت الدوحة إلى قمة عربية إسلامية يومي 14-15 أيلول/ سبتمبر لصياغة رد إقليمي. وقال مسؤولون إن من بين المقترحات تشكيل تحالف عسكري عربي مشترك للدفاع عن الدول، وحتى إيران، من أي إجراءات إسرائيلية أخرى.

من جانبه، يرى “راغب” أن هذا الزخم يُذكر بدعوة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، طويلة الأمد للأمن الجماعي، موضحًا: “يدعو الرئيس السيسي منذ عام 2015 إلى آلية للأمن العربي الجماعي، وليس مجرد ردود عسكرية. وضربة الدوحة تزيد من إلحاح هذه الدعوة، فلأول مرة تُعامل فكرة تنسيق الجيوش العربية كقوة رد سريع على أنها أكثر من مجرد شعار، أما أن تتحقق هذه الفكرة على أرض الواقع فهذه مسألة أخرى، لكن الإرادة السياسية قد تغيرت”.

المصدر: موقع ذا ميديا لاين The Media Line

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews