من يقف وراء محاولة الانقلاب في سوريا؟

بقلم فراج إسماعيل
لفت نظري خلال الأيام الماضية بدءا من 4 مارس حجم الحرب الرقمية التي تتعرض لها سوريا. آلاف التغريدات عن مذابح وانتهاكات على منصة إكس وإعادة التغريد وسيل من التعليقات والصور. لا شك أن ذلك يخلق صورة ذهنية عن توحش نظام الحكم القائم في ظل ضعف الإعلام الرسمي.
و إذ تعمقت أكثر في خرائط تلك التغريدات اكتشفت أنها ليست سورية خالصة وتدار من الخارج بمهارات تقنية عالية واستخدام الذكاء الصناعي في الصور والفيديوهات.. جزء منها حسابات صهيونية.
من حسن الطالع أن الإعلام الخارجي المهني لم يقع في مخلب تلك الحرب الموجهة أو يتأثر بها في تغطياته لمعركة الساحل السوري.. وهي معركة تجهزت فيها قوات الفلول التي تنتمي إلى الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، بأسلحة حديثة وإمكانيات لوجستية هائلة. كيف دخلت وأين اختفت كل الفترة الماضية إلى أن تم تحريكها؟.. هذا سؤال يمكن الإجابة عليه من خلال أن القوات الأمنية الجديدة حديثة عهد وتدريب على الأمن الداخلي وثغوره وثغراته. هل حدثت مجازر ضد المدنيين العلويين؟!.. نعم: لكن السؤال: من الذي قام بها لتوسيع رقعة الفتنة؟.. فالضحايا ينتمون لعائلات علوية كانت مناهضة لنظام بشار الأسد.. وهذه العائلات استقبلت أحمد الشرع خلال زيارته للساحل ورحبت به وأعلنت تأييدها لسوريا واحدة لا طائفية.
من الاستعجال في ظل نقص المعلومات اتهام هذا الطرف أو ذاك. لكنه إنقلاب عسكري دموي مخطط ومجهز له وكاد أن ينجح لولا التدخل التكنولوجي والاستخباراتي التركي الذي توصل لمراكز قيادات الفلول وتمكن من تحجيم تحركاتها ورصد مواقعها، والإيقاع بها.
الخسائر باهظة.. قال مراقب حرب إن أكثر من ألف شخص، بينهم 745 مدنيا، قتلوا في يومين من الاشتباكات بين قوات الأمن السورية ومقاتلين موالين لنظام الأسد السابق، وعمليات قتل انتقامية تلت ذلك، وهي واحدة من أعلى حصيلة للقتلى في سوريا منذ عام 2011.
وحصر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، مقتل 125 من قوات الأمن السورية و148 من الموالين للأسد. وتباينت أعداد القتلى بشكل كبير، حيث وضعت بعض التقديرات العدد النهائي للقتلى أعلى من ذلك.
وأشارت “الجارديان” البريطانية إلى الطريقة التي بدأت بها المعارك يوم الخميس حيث نصب مقاتلون موالون لنظام الأسد المخلوع كمينًا لقوات الأمن في جبلة، في محافظة اللاذقية الساحلية.
كان القتل يجري بواسطة مسلحين بملابس مدنية. علما بأن فلول النظام السابق كانوا يرتدون ملابس مدنية عندما بدأوا هجومهم.
وقال أحد سكان اللاذقية إن الكهرباء والمياه انقطعت عن المنطقة، وإنهم كانوا يحتمون في منازلهم خوفاً من المسلحين في الشوارع.
وقال أحدهم: “المسلحون يقتلون كل من يظهر أمامهم”.
وكان الهجوم الواسع النطاق والمنسق هو التحدي الأكبر للسلطات الجديدة في البلاد حتى الآن، وجاء بعد ثلاثة أشهر من إطاحة بشار الأسد.
ولسحق التمرد، دعت الحكومة السورية إلى تعزيزات، حيث توافد الآلاف من المقاتلين على ساحل سوريا من مختلف أنحاء البلاد. ورغم أن المقاتلين يخضعون ظاهرياً لرعاية الحكومة السورية الجديدة، فإن “الميليشيات لا تزال قائمة، وهي غير منضبطة نسبياً”. حسب الجارديان.
اقتحمت عناصر من قوات الأمن المنازل وأعدموا مدنيين داخلها. تقول السلطات الرسمية إنها حالات فردية ستخضع للتحقيق والعقاب وستلاحق المسؤولين عنها. لكن لا شك أن ذلك يفرض إعادة مراجعة لضبط عناصر الأمن وإخراجهم من عباءة الميليشيات السابقة.
يشكل العلويون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، وشاركوا خلال حكم عائلة الأسد لأكثر من خمسة عقود، سيما في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة، بحسب فرانس برس.
وأكدت وزارة الداخلية السورية وقوع “انتهاكات” بحق الأقلية العلوية. وقال مصدر في وزارة الداخلية لوكالة الأنباء الرسمية في البلاد سانا إن “انتهاكات فردية” حدثت على الساحل وتعهد بوقفها. ولم تتمكن شبكة بي بي سي نيوز من التحقق من مزاعم بأن عمليات القتل ارتكبتها قوات الحكام الجدد في سوريا.
الالتزام الحقيقي بالعدالة الانتقالية وتشكيل حكومة شاملة يشكلان مفتاحاً لمنع سوريا من الانزلاق إلى دوامة العنف. ومن المقرر أن تعلن السلطات الانتقالية السورية عن حكومة جديدة هذا الشهر، والتي سوف تخضع للتدقيق عن كثب للتأكد من أنها تمثل التنوع الديني والعرقي في سوريا بعد أعمال العنف التي شهدتها البلاد.