“قُرق”.. غابة إيرانية تختبئ فيها بقايا الأيل الأحمر المهدَّد بالانقراض

علي زم – مراسلين
في الطريق الممتد بين مدينتي كُركَان وآزادشهر شمال إيران، وعلى مسافة لا تتجاوز نصف ساعة من قلب محافظة كُلستان، تتوارى غابة اسمها “قُرق”؛ جنة صغيرة من الضوء والضباب، لا تحتاج إلا أن تخطو إليها لتنسى ضجيج العالم.
هنا، حيث تتشابك أغصان الأشجار كأنها أذرع محبّة، ويغتسل الهواء بندى الصباح، يتبدّل إيقاع الزمن… يصبح أبطأ، أصفى، وأجمل.

عند زيارتك لقُرق لن ترى مجرد محمية أو حديقة غابية، بل لوحة طبيعية تتبدّل ألوانها كل فصل، وتغدو مع كل صباح مشهداً جديداً من حكاية لا تنتهي. فمثلاً، في الربيع، تتفتح الأرض بأزهارها الصغيرة كأنها وشاح من ألوان الباستيل، وفي الصيف تنساب الشمس بين الأغصان لتوقظ رائحة الخشب الرطب، أما الخريف فيسكب على الغابة ذهبه الصافي، فتتوهج أوراق الأشجار تحت نسيمٍ بارد كأنها شعلات من حنين، ثم يأتي الشتاء ليُلبسها ثوباً أبيض من الصمت والسكينة.
لكن سرّ قُرق الحقيقي ليس في أشجارها وحدها، بل في كائن يسكنها منذ قرون — الأيل الأحمر، أو “المرال” كما يُسميه الإيرانيون.

هذا الأيل المهيب، ذو القرون المتشابكة والنظرة الحذرة، هو سيّد هذه الغابة وحارسها الخفي. في موسم التزاوج، يسمع زائر قُرق أصواتاً تملأ الوادي، صرخات عميقة تُعرف في الفارسية باسم “گاوبانگي” — نداء الأيائل للحب، وصوت الطبيعة حين تُغنّي. من يسمع هذا النداء مرة، لا ينساه ما عاش.
في أطراف الغابة تنتشر ممرات ضيقة من الطين الأحمر، تقودك إلى برك صغيرة تعكس وجه السماء. وعلى التلال الخضراء، تنتصب أكواخ خشبية صُمّمت قبل عقود لتكون ملاذاً لعشاق الطبيعة، حيث يمكن للزائر أن يشعل موقده الصغير، ويستمع إلى حفيف الأوراق كما لو كان عزفاً خاصاً له وحده. حتى الهواء هنا، كما وصفه صديق لي زار الغابة، له طعم آخر؛ طعم الماء البارد الخارج من عمق الأرض.

يكمل صديقي في وصفه جمال قُرق: عند الفجر، تتراقص الضبابات بين الأشجار مثل أرواحٍ خفيفة، وحين تغرب الشمس، تتسلل خطوط الضوء الأخيرة عبر الغابة لتودّع يومها كلوحةٍ تنطفئ على مهل. لا شيء في قُرق صاخب — لا شيء فيها مُبهر بقوة، لكنها تبهر بالهدوء، بالجمال الذي لا يتكلّف.
وربما أكثر ما يمنح الغابة سحرها، أنها تأوي الأيل الأحمر — كائن مهيب يوشك أن يغيب عن الأرض، حاملاً معه صمت العصور وأحلام الغابة، وتدعوك خطواتك الحذرة لتلمس هذا الجمال قبل أن يصبح ذكرى.





