إدلب بين الريادة أو الوظيفة

شبكة مراسلين
مقال بقلم: مصطفى حاج سلوم
إدلب.. تلك المدينة التي حملت على مدى آلاف السنين تاريخاً غنياً وحضارات متعاقبة تواجه اليوم مفترق طرق حاسم، منذ لحظة التحرير كانت المدينة مليئة بالشباب الطموح الذين حلموا بمستقبل أفضل مدينة حرة ومجتمع نشط قادر على خلق فرصه بنفسه. التطوع في المجتمع المدني والمبادرات المحلية كان عنوان المرحلة الأولى، والمشاريع الصغيرة كانت بمثابة شرارة لإحياء روح الريادة في المدينة.
المرحلة الأولى: الحلم بعد التحرير
في الأيام الأولى بعد التحرير الشباب لم يكن يفكر فقط في تأمين لقمة العيش بل في بناء مجتمع متكامل يدعم بعضه البعض ويخلق فرصاً جديدة كل واحد منهم كان يرى نفسه جزءاً من المشروع الكبير الذي قد يغير إدلب من مدينة محاصرة بالحرب إلى مركز نشط للثقافة والاقتصاد والتاريخ روح المبادرة العمل الجماعي والإبداع كانت السمات التي ميزت هذه المرحلة.
المرحلة الثانية: ضغط الواقع الاقتصادي
لكن مع بدأ الواقع الاقتصادي يفرض نفسه بشكل متزايد الغلاء المستمر البطالة نقص البنية التحتية وقلة الموارد جعلت السؤال اليومي لكل شاب “كيف أأمن معيشي و أستمر بالحياة اليومية؟” وهنا بدأ الميل الواضح نحو الوظائف الثابتة: العمل في الأمن الجيش الشرطة أو الانخراط في المنظمات الإنسانية و الإغاثية الوظيفة أصبحت الملاذ الآمن بينما الريادة والمشاريع التنموية الصغيرة التي كانت الأمل الحقيقي لنمو إدلب الاقتصادي والاجتماعي أصبحت شبه منسية محاصرة بضغط الواقع اليومي
الفرصة الضائعة: السياحة والآثار
في الوقت ذاته تبقى الفرصة الأكبر لإدلب هي إمكاناتها السياحية والتاريخية المدينة مليئة بالمواقع الأثرية من الحضارات الرومانية والبيزنطية إلى الأسواق القديمة والكهوف إضافة إلى الطبيعة الساحرة المحيطة بها هذه المقومات تجعل إدلب قادرة على أن تتحول إلى وجهة سياحية عربية واعتقد قد تكون عالمية تستطيع جذب الزوار من سوريا والدول المجاورة وحتى من خارج المنطقة وتخلق فرصاً اقتصادية ضخمة للشباب وللمجتمع ككل المشاريع الريادية في السياحة مثل الفنادق الصغيرة الإرشاد السياحي الورش الثقافية والمهرجانات المحلية يمكن أن تعيد للمدينة روح النشاط والإبداع وتفتح آفاقا اقتصادية جديدة بدل أن يظل الاعتماد على الوظائف التقليدية هو الخيار الوحيد.
المستقبل المتوقع بعد عشر سنوات
إذا استمرت الأمور على ما هي عليه بعد عشر سنوات قد نجد إدلب:
أكبر مستهلك للمنتج السوري بدل أن تكون منتجة.
الزراعة التقليدية مثل الزيتون والحبوب ستظل موجودة لكنها لن تكون محركاً اقتصادياً أساسياً مقارنة مع باقي المحافظات
الصناعات الصغيرة والمشاريع الريادية ستتضاءل والشباب سيظل يعتمد على الوظائف الثابتة ما يؤدي إلى فقدان المدينة لدورها الفاعل في الاقتصاد السوري.
المعادلة الواضحة أمام المجتمع
إدلب تمتلك كل مقومات النجاح لكنها بحاجة إلى رؤية واضحة وشجاعة في اتخاذ القرار. الشباب هم حجر الأساس في هذا التحول. إذا عادوا إلى روح الريادة والابتكار، و استثمروا في السياحة التاريخ والطبيعة يمكن أن تصبح إدلب مركزاً اقتصادياً وسياحياً على مستوى سوريا والعالم. أما إذا بقي الاعتماد على الوظائف فقط فإن المدينة ستظل سوقاً مستهلكة تفقد فرصها وتظل حبيسة واقعها الراهن.
دور الحكومة في ادلب نحو المدينة و شباب المجتمع المدني
- إعادة توجيه الطاقة الشبابية نحو المشاريع الريادية خلق مبادرات صغيرة في مجالات السياحة الحرف اليدوية الخدمات الثقافية والصناعات الغذائية
- الاستثمار في السياحة التاريخية والطبيعية تطوير مواقع أثرية تنظيم جولات سياحية إقامة مهرجانات محلية للترويج للمدينة.
- تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص: توفير حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في إدلب.
- رفع الوعي المجتمعي بأهمية الإنتاج المحلي تشجيع الصناعات الصغيرة والزراعة المستدامة لتقليل الاعتماد على الواردات من المحافظات الأخرى.
- بناء مهارات الشباب المستقبلية ورش تدريبية على الإدارة التسويق التقنية والابتكار لضمان استدامة المشاريع وتحويل الأفكار إلى واقع ملموس.
إدلب بتاريخها العريق آثارها الفريدة موقعها الاستراتيجي وشبابها الطموح قادرة على أن تكون نموذجاً للنجاح بعد سنوات الحرب لكن هذا يتطلب إرادة مجتمعية حقيقية دعم مؤسسي ورؤية واضحة للمستقبل المستقبل بانتظار من يجرؤ على خلق الفرص وليس مجرد انتظار الوظائف إدلب يمكن أن تكون أكثر بكثير من مجرد مدينة تحاول البقاء على حالها إذا قررنا جميعاً أن نكون صناع الفرص لا مجرد مستهلكين لها.