
شبكة مراسلين
مقال بقلم: سجى عبد المجيد شبانة
رغم أنها لم تكن مركزًا للاشتباك، ولم تدخل في حرب كغيرها من المدن السورية، إلا أن محافظة السويداء تبدو اليوم وكأنها تعيش في منطقة ظلّ، تُدار من أطراف المشهد، وتُعامل كأنها لم تكن شريكًا في الحكاية السورية.
هي محافظة تُعاقب بصمتها، وتُقصى رغم حيادها، وتُهمّش رغم سلميتها. فلماذا تبدو السويداء وكأنها خارج خارطة الاهتمام الرسمي؟ وهل اختيار الحياد كلفها تهميشًا أكثر قسوة من الحرب
أولًا: حياد السويداء.. موقف لا يُغتفر؟
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، اتخذت السويداء – ذات الغالبية الدرزية – موقفًا واضحًا: لا للحرب، لا للسلاح، لا للتدخل الخارجي. اختارت المحافظة حماية مجتمعها الداخلي، والابتعاد عن الصراع العسكري. لم تنخرط في الاصطفافات الإقليمية، ولم تسمح للجماعات المسلحة – لا النظامية ولا المعارضة – بالتمركز داخلها.
لكن هذا الموقف الذي اعتُبر أخلاقيًا ومدنيًا بامتياز، فُسّر على ما يبدو، لدى النظام، كنوع من التمرد الصامت، أو “الحياد المزعج”. وبدل أن يُكافأ هذا الخط المستقل، جرى تطويق المحافظة بالخدمات المتهالكة، والانقطاع، والإقصاء الإداري والاقتصادي.
ثانيًا: السكان في مواجهة العتمة والفقر
حسب تقديرات رسمية من موقع City Facts، يبلغ عدد سكان السويداء نحو 375,000 نسمة، 90% منهم من الطائفة الدرزية، والباقي مسيحيون وسنة.
متوسط عمر السكان يبلغ 21.8 سنة، ما يدل على وجود غالبية شبابية، عاطلة عن العمل إلى حد كبير، نتيجة غياب المشاريع الإنتاجية والاستثمارية في المحافظة.
ويؤكد تقرير البنك الدولي أن معدل البطالة في سوريا ارتفع إلى 13.2% عام 2024، ومن المتوقع أن يبلغ 15% في 2025، مع تدهور إضافي في المناطق المهمشة مثل السويداء.
ثالثًا: بنية تحتية منهارة.. وكأنها خارج الدولة
تعيش السويداء اليوم تحت ظروف خدمية تكاد تقترب من الانهيار الكامل:
الكهرباء لا تصل إلا ساعة واحدة يوميًا (في أحسن الأحوال).
المياه تنقطع لأيام وأسابيع.
الإنترنت متذبذب، والاتصالات تتوقف في لحظات الحاجة.
وبحسب تقرير United States Holocaust Memorial Museum، فإن الخدمات الأساسية في السويداء في أسوأ حالاتها منذ بدء الحرب، مع غياب أي خطة طارئة حكومية لإغاثة السكان أو تحسين البنية التحتية.
رابعًا: احتجاجات الكرامة.. هل يسمعها أحد؟
منذ أغسطس 2023، خرج آلاف من سكان السويداء في مظاهرات سلمية، رفعت شعارات واضحة: “بدنا نعيش”، “بدنا كهربا”، “بدنا دولة مدنية”.
وبحسب شبكة Etana Syria، فإن الحراك شهد أكثر من 550 تظاهرة خلال الأشهر الأولى، شارك فيها نحو 8,000 شخص أسبوعيًا، في ساحة الكرامة الشهيرة وسط المدينة.
ورغم أن النظام لم يقمع هذه الاحتجاجات كما يفعل عادة، إلا أن موقفه كان أكثر فتكًا: التجاهل. لم ترسل الحكومة أي وفد تفاوض، لم يصدر أي قرار رسمي، لم تُطرح أية مبادرة. وكأن الرسالة واضحة: “احتجوا كما تشاؤون، لن نرد”.
خامسًا: فوضى أمنية وأسلحة محلية
مع انسحاب الدولة من مسؤولياتها، ظهرت مجموعات محلية مسلحة – بعضها تحت يافطة “اللجان الشعبية” – تُدير الأمن والاقتصاد بطريقة لا تخلو من الفوضى والانتهاك.
وحسب تحقيق Le Monde الفرنسية، فإن السويداء تشهد فوضى حقيقية في ظل غياب أي سلطة حقيقية، ووجود سوق سوداء للوقود، والخطف، والمخدرات.
وفي يوليو 2025، شهدت المحافظة نزاعًا مسلحًا عنيفًا بين مجموعات محلية، أدى إلى:
مقتل أكثر من 516 شخصًا خلال 3 أيام فقط، بينهم 86 مدنيًا.
نزوح ما يزيد عن 93,000 شخص من المدينة باتجاه القرى الحدودية، وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
سادسًا: تمثيل رمزي.. لا أكثر؟
في خطوة وصفها البعض بـ”التجميلية”، عُيّنت محافظة درزية لأول مرة في سوريا وهي مهسنة الميثاوي، أواخر 2024. ورغم الترحيب الشعبي النسبي بالخطوة، إلا أن السكان يرونها غير كافية في ظل غياب تمكين فعلي لأي تغيير.
وقد علّقت صحيفة The Guardian بالقول:
“السويداء تطالب بتمثيل حقيقي، لا رموز شكلية، وتريد دولة لا تستدعيها إلا وقت الخطر.”
سابعًا: السويداء ليست مشكلة.. بل فرصة ضائعة
السويداء لم تكن “منطقة خارجة عن القانون”، بل منطقة أرادت قانونًا لا يُخضِعها، بل يحترمها.
لم تطلب إسقاط النظام، بل إصلاح الدولة. لم تطالب بالفيدرالية، بل بتفعيل الدولة المركزية العادلة.
لكن تجاهل الدولة لمطالب السويداء، وتركها وحيدة في وجه الفوضى والخوف، يضعنا أمام سؤال وجودي: هل الدولة هي من تهمّش السويداء، أم أنها ترفض الاعتراف بنموذجها؟
خاتمة: إن كنا دولة.. فلتكن للجميع
إن ما يجري في السويداء لا يخص هذه المحافظة وحدها، بل هو نموذج لِما يمكن أن يحدث لكل منطقة ترفض الخضوع التام، أو تحاول أن ترسم طريقًا مستقلًا بكرامة.
السويداء اليوم لا تطلب صدقة، ولا تناشد تعاطفًا. بل تقول فقط: نحن هنا، مواطنون لنا حق في الحياة، والخدمات، والأمان، والدولة.
المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة مراسلين