أخباراقتصادمال و أعمالمصر

الطبقة المتوسطة في مصر: من الصعود إلى الانكماش

شبكة مراسلين
بقلم: فاتن علي

في زمنٍ غير بعيد، كانت الطبقة المتوسطة في مصر تمثل صمّام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للدولة. شريحة واسعة من المواطنين تمتلك تعليمًا جيدًا، وظائف مستقرة، قدرة على الادخار، وأملًا واقعيًا في تحسين مستوى المعيشة.
لكن اليوم، تتآكل هذه الطبقة بوتيرة مقلقة، ويتهددها خطر الانكماش وربما الاختفاء، وسط أوضاع اقتصادية خانقة وقرارات لا تراعي طبيعة الدور الحيوي الذي تمثله هذه الفئة المنتجة.

الرواتب لا تواكب.. والأسعار بلا سقف

منذ تحرير سعر صرف الجنيه في 2016، ثم التعويم الثاني في 2022، دخلت الطبقة المتوسطة في دوامة تضخمية لا تملك أدوات النجاة منها. الراتب الذي كان يكفي الأسرة لتغطية حاجاتها الأساسية مع هامش صغير للادخار أو الترفيه، لم يعد يكفي لنصف الشهر. الأسعار تقفز بوتيرة يومية، والدخل ثابت، بل في حالات كثيرة تراجع فعليًا بقيمته الحقيقية.

السكن والتعليم والصحة: أحلام تتبخر

الاحتياجات الأساسية التي طالما ميّزت الطبقة المتوسطة بدأت تختفي من المشهد:
السكن: أسعار العقارات تضاعفت لأكثر من ثلاث مرات في خمس سنوات، في حين بقيت برامج الإسكان الاجتماعي بعيدة عن متطلبات هذه الشريحة.
التعليم: رسوم المدارس الخاصة ارتفعت بنسب قياسية، والبدائل الحكومية غير قادرة على تعويض الفجوة.
الصحة: تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة أصبحت عبئًا كبيرًا، بينما لا تزال منظومة التأمين الصحي في طور التجريب أو التعثر.

سياسات اقتصادية غير عادلة

رغم الحديث المتكرر عن الإصلاح، تأتي أغلب السياسات المالية على حساب المواطن المتوسط. الضرائب غير المباشرة تتزايد، الدعم يُرفع تدريجيًا، والخدمات تُخصخص دون وجود بديل فعلي. في المقابل، لا نشهد إصلاحًا حقيقيًا في هيكل الأجور أو معالجة حقيقية لفجوة الدخل.

انكماش الدور المجتمعي والسياسي

حين تضعف الطبقة المتوسطة، يتقلص دورها كمصدر للاستقرار السياسي والاجتماعي، وتبدأ الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الاتساع بشكل خطير. ومع تراجع القدرة على الإنفاق، تتقلص أيضًا مساهمتها في تحريك السوق الداخلية، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الكلي.

هل من مخرج؟

إذا كانت الدولة جادة في استعادة التوازن المجتمعي، فلابد من اتخاذ إجراءات عاجلة:

• تبني سياسات ضريبية عادلة تحمي المستهلك لا تعاقبه.
• إصلاح جذري في الأجور لمواكبة معدلات التضخم.
• دعم مباشر للتعليم والصحة والسكن الموجه للطبقة المتوسطة.
• تحفيز الاستثمار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها القاطرة الحقيقية للنمو والتوظيف.

ختامًا

الطبقة المتوسطة ليست رقمًا إحصائيًا في التقارير، بل هي العمود الفقري لأي مجتمع يرغب في النهوض والاستقرار. انكماشها لا يعني فقط أزمة معيشية، بل خطر استراتيجي على مستقبل التنمية والعدالة الاجتماعية في مصر. المطلوب اليوم ليس فقط علاج الأعراض، بل معالجة جذور الخلل عبر رؤية اقتصادية أكثر عدالة وواقعية.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews