الخدمات في حلب بين الأمل والمعاناة: صرخة الأحياء الشعبية قبل الشتاء

شريف فارس ــ خاص مراسلين
حلب – سوريا – في محافظة حلب، المدينة التي تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا وثقافة نابضة بالحياة، ما تزال الأحياء الشعبية تواجه تحديات خدمية تثقل كاهل سكانها وتؤثر على تفاصيل حياتهم اليومية، فيما تحاول المدينة النهوض من رماد الحرب واستعادة نبضها من جديد.
فبين شوارعٍ أعيد تأهيلها وأخرى ما تزال تنتظر دورها، يعيش الأهالي واقعًا متذبذبًا بين الأمل والتحمل. وتشكل الكهرباء والمياه والنظافة العامة أبرز الملفات اليومية التي تلامس حياة الحلبيين، وسط جهودٍ تبذلها المؤسسات الحكومية وإصرار السكان على تجاوز آثار الحرب الطويلة.

صرخة من قلب حلب: أحياء السكري والمشهد وصلاح الدين تطالب بالحلول قبل الشتاء
في شوارع حلب، وتحديدًا في أحياء السكري وصلاح الدين والمشهد، تتعالى أصوات السكان وهم يواجهون يوميًا تحديات الحياة وسط بنية تحتية متعبة، وخدمات متقطعة، ومشاكل تراكمت دون حلول فعّالة.
حي السكري… شارع تحوّل إلى مستنقع
يصف أبو نصر، أحد سكان حي السكري، حال أحد الشوارع القريبة من فرن نور الدين قائلًا:
“الشارع طوله حوالي 150 مترًا، صار مجمعًا للمياه، وكل يوم بيزيد الطين بلّة. قبل الشتاء لازم حدا يتحرك، لأنو إذا ضلّ هيك، رح يصير كارثة وقت المطر.”
ويضيف بقلق على أطفاله: “الركام اللي متروك بالحي صار يطلع منه جرذان وقوارض، ممكن تأذي ولادنا، خصوصًا وهم رايحين عالمدرسة. نحنا بس بدنا صوتنا يوصل قبل ما يفوتنا الوقت.”

حي صلاح الدين… عطش، ظلام، وزحمة تصليح سيارات
أما محمد يوسف الديك، من حي صلاح الدين، فيرسم صورة أخرى من المعاناة اليومية:
“المي بتجينا كل ثلاث أيام ساعة أو ساعتين، وقدمت شكوى لشركة المياه بس ما حدا ردّ.
والكهربا؟ حسب المزاج، ما في مواعيد واضحة.”
ويتابع حديثه حول النظافة والازدحام:
“عمال النظافة بيشتغلوا بضمير، بس بعض الناس ما عندهم وعي، خصوصًا قدّام الحاويات. وفي محلات تصليح سيارات مزاحمة الشارع، بتعرقل المرور، ولما اشتكينا شالوا وحدة منهم، بس الوضع ما تغيّر كتير.”
ويختم محمد حديثه بنبرة تعب:
“من ساحة المشهد للعامرية، محلات التصليح مستولين على الأرصفة والشوارع، رغم وجود مناطق صناعية مثل جبرين والراموسة. ليش ما ينقلوهم لهنيك؟ وحتى السرافيس ما بتخدم المنطقة، والمجارير تعبانة، وكل سنة منرجع نعاني منها ثلاث مرات على الأقل.”

حي المشهد… الأرصفة محتلة والدخان خانق
يضيف عمر فارس، من سكان حي المشهد، صوته إلى هذا النداء، قائلًا:
“مصلحين السيارات كارثة! شغالين بالشارع والأرصفة، تمرق امرأة بصعوبة، حتى الأولاد، والدخنة معبّية المكان من محركات السيارات. حتى بعض محلات البيع والشراء شاغلين الأرصفة، ما عاد في مجال نمشي، الوضع خانق.”
ويتابع بنبرة غضب:
“نطلب من الجهات المعنية تتحرك وتوقف هالعشوائيات بالأحياء الشعبية. تصليح السيارات بمناطق سكنية بيأذي الأهالي، والدخان المنبعث بسبب أمراض. تخيّل تمرق عائلة مع أولادها، تطلع بوجهها دخنة سيارة عم تتصلّح! هذا مو مقبول.”

حي المشهد… بين غياب الحاويات وضجيج الليل
أما محمد فارس، من سكان الحي ذاته، فيوضح معاناة أخرى:
“أول شي النظافة! ما في حاويات كافية، وإذا حطّوا وحدة، بتتعبى بسرعة وما بيجي عامل النظافة إلا كل ثلاث أيام. من أول الشارع لآخره، ما في غير حاوية وحدة، يعني الوضع مزري.”
ويتابع بنبرة استياء:
“المصلحين ما خلّوا مكان، صافين سياراتهم على الأرصفة، وصواتهم مالي الشارع. في شوارع محفّرة بدها تزفيت، والشتوية عالأبواب. الأطفال بدها تروح عالمدارس، بس الشوارع كلها طين ومياه، يعني ما عاد في مجال تمشي.”
ثم يصف مشهد النهار والليل في الحي:

“بالنهار بياع خضرة رايح وبياع جاي، وصوت الإذاعات مالي الشوارع، وكل واحد بدو يعلي صوته أكتر من التاني. وبالليل؟ ما بتنام! من الساعة 9 للساعة 12، بياع جاي وبياع رايح، واللي بيصرخ أكتر هو البطل!”
ويختم محمد كلامه بمشهد غريب عند الفجر:
“المؤذن بجامع المؤمنين، قبل الأذان بساعة، بيكمش المكروفون وبيصرخ بصوت عالي، أسلوبه مزعج، والدنيا ساكتة، فجأة بتحس كأن القيامة قامت! ما بتعرف شو عم يصير، بتقول شو هالصوت؟”

المجلس المحلي يوضح: مشاريع خدمية قيد التنفيذ
في المقابل، يؤكد المهندس مصطفى قرنفل، مدير المشاريع في مجلس مدينة حلب، “لشبكة مراسلين” أن المجلس يعمل على تنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع الخدمية التي تستهدف تحسين الواقع المعيشي في مختلف الأحياء، موضحًا:
“أبرز المشاريع هو مشروع الطرق الحيوية التي تصل الريف بالمدينة، وتبلغ كلفته نحو 10 ملايين دولار، وتشمل مداخل مدينة حلب ابتداءً من دوار الموت حتى الأتارب – أبين، ومن ثم المحور الآخر من دوار جامع العباس حتى مدينة دارة عزة، مرورًا بمحور دوار الليرمون حتى مدينة إعزاز، إضافة إلى الطريق الواصل من المطار حتى مركز المدينة عند محطة بغداد. يرافق ذلك تجميل المنصفات والأرصفة وزراعة المساحات الخضراء واستبدال أعمدة الكهرباء.”

ويضيف المهندس قرنفل:
“كما يجري العمل على مشروع ترحيل الأنقاض من مختلف أحياء حلب، بالتوازي مع تأهيل معمل تدوير الأنقاض، وزيادة عدد المعدات والعمال بهدف الاستفادة من مخلفات البناء في دعم المشاريع الخدمية.”
وأشار إلى أن المجلس ينفذ حاليًا عشرة مشاريع للصرف الصحي في الأحياء الشرقية، من بينها مشروع في حي الشيخ مقصود، إضافة إلى مشروع إعادة ترميم سوق الزرب الأثري بالقرب من قلعة حلب، وعدد من مشاريع تأهيل الحدائق العامة مثل: حديقة الحاووظ، وحديقة هنانو، وحديقة الأنيس، وحديقة الحرابلة، وحديقة الأفراح، وحديقة أرض الصباغ، وحديقة الرازي.
وتابع قرنفل:
“ضمن خطة إعادة الإعمار، تم ترميم نحو 91 منزلًا في حي هنانو، ويجري حاليًا العمل في أحياء قاضي عسكر ومساكن الفردوس والسكري وبستان القصر.”
وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجه العمل، أوضح أن أبرزها نقص البيانات الدقيقة حول الاحتياجات الفعلية للبنى التحتية، وضعف التمويل المتاح لتأهيل المشاريع الكبرى، مؤكدًا أن توزيع الموارد يتم وفق دراسات ميدانية تراعي مستوى الأضرار والاحتياجات الفعلية لكل حي، مع التركيز على المشاريع التي تساهم في عودة السكان إلى منازلهم وتحريك الحياة اليومية”.

ما بعد الحرب… معركة الخدمات في حلب
ورغم كل ما تعانيه حلب من أعباء خدمية وتحديات متراكمة، فإن نبض الحياة فيها لا يتوقف، وإصرار أبنائها على ترميم مدينتهم يتجلى في كل زاوية وحيّ. ما بين جهود الأهالي وصوتهم المطالب بالحلول، ومساعي المؤسسات الخدمية لإعادة تأهيل البنية التحتية، تسير المدينة بخطى بطيئة لكنها ثابتة نحو التعافي.
فحلب اليوم، وهي تلملم آثار حربٍ طويلة، تحتاج إلى دعمٍ حقيقي وتخطيطٍ مستدام يضمن توازناً بين إعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية. إنها معركة ما بعد الحرب، معركة الحياة اليومية التي يخوضها الحلبيون بشجاعة وصبر، آملين أن يكون الغد أكثر استقراراً ونظافة ونوراً.

