ChatGPT يتجاوز 700 مليون مستخدم ويصنف أسرع التقنيات تبنيا في التاريخ

سارة جودي – مراسلين
منذ ظهوره أواخر 2022 لم يتوقف ChatGPT عن لفت الأنظار، ففي غضون أشهر قليلة من إطلاقه، أصبح أسرع التقنيات تبنّيًا في التاريخ، ثم واصل في عاميه الثاني والثالث (2023–2025) مسيرة تطوره ليتحول من مجرد روبوت محادثة ذكي إلى منصة معرفية متعددة الوسائط تعتمدها كبرى الشركات والجامعات والمؤسسات حول العالم. في هذا التقرير، نستعرض كيف أعاد ChatGPT تعريف ما يمكن أن تقدمه أدوات الذكاء الاصطناعي، مستعرضين أبرز محطاته التقنية، وأصداءه العالمية، والفرضيات التي تحققت أو تهاوت أمام الواقع. كما نعرض بالأرقام إلى أين وصل النموذج بنهاية 2025، وكيف بات جزءًا من نسيج الحياة الرقمية المعاصرة.
تطورات تقنية وعلمية بارزة
بين 2023 و2025، تحوّل ChatGPT من أداة محادثة إلى منصة معرفية متعددة الوسائط، جمعت بين فهم أعمق للنصوص، واستيعاب للصور والصوت، وقدرات تنفيذية في البرمجة وتحليل البيانات. كان إطلاق GPT-4 نقطة تحول في دقة الاستدلال ومعالجة التعليمات المركبة، وتبعه GPT-4o الذي نقل التفاعل إلى مستوى سمعي-بصري طبيعي شبه لحظي. في البرمجة انتقل النموذج من شرح الكود إلى تنفيذ دورة عمل كاملة، مع نماذج مثل GPT-4.1 التي أتاحت سياقا أوسع وتعاملا مع الأكواد والصور بشكل متكامل.
في الوقت نفسه تطور ChatGPT ليصبح أكثر تخصيصا، بفضل التعليمات المخصصة التي جعلته يراعي تفضيلات المستخدم باستمرار، فضلا عن تحسنه في عشرات اللغات، ما عزز تبنيه عالميا ورفع جودة التفاعل بالعربية. وبحلول نهاية 2025 لم يعد الحديث عن ترقيات متفرقة، بل عن بنية معرفية مرنة تدمج في التطبيقات والمجالات اليومية، من التعليم والترميز إلى خدمات المؤسسات اعتمد كمساعد ذكي قابل للتهيئة يرى ويسمع ويفهم وينجز.
العلماء والباحثون بين إعجاب بالتقدم… وتحذير من الانفلات
تباينت آراء العلماء والباحثين حول ChatGPT بين احتفاء تقني وتحذير أخلاقي. ففريق واسع من الخبراء رأى فيه إنجازا غير مسبوق في معالجة اللغة الطبيعية، معتبرين اجتيازه لاختبارات أكاديمية متقدمة وبلوغه 100 مليون مستخدم خلال شهرين، دلالة على بدء عصر جديد في الحوسبة، كما أشاد باحثون بدوره في تعزيز إنتاجية الباحثين والطلاب، إذ استخدمه نحو 30% من الأكاديميين لتبسيط وتحسين الكتابة العلمية. لكن بالمقابل عبّر خبراء عن قلقهم من ظاهرة “الهلوسة” في إجابات نموذجية، مؤكدين أنه لا يفهم المعنى بقدر ما يتنبأ بالكلمات، مما يجعله عرضة لتوليد معلومات خاطئة. وبرزت أصوات بارزة،مثل دارون أسيموغلو وجيفري هينتون، حذرت من المبالغة في التفاؤل أو من المخاطر المستقبلية إذا استمر تطوير النماذج دون ضوابط، رغم اعتراض آخرين على هذه المخاوف بوصفها تهويلًا. أما في العالم العربي، فقد انعكست هذه الانقسامات في التغطيات الإعلامية التي تناولت الأثر المحتمل لـChatGPT على اللغة العربية والتعليم، وسط تحذيرات من استخدامه في الغش الأكاديمي مقابل فرص ظهوره في منتجات محلية ووظائف ناشئة.
حين تصبح التوقعات واقعا: ChatGPT يعيد تشكيل التعليم وسوق العمل
لم تعد توقعات تأثير ChatGPT على التعليم والعمل مجرد افتراضات نظرية، بل تحققت على نطاق واسع وبأشكال متعددة. في القطاع التعليمي برزت الأداة كمساعد قوي للطلاب في إعداد التقارير وحل الواجبات، ما أثار مخاوف أكاديمية من استخدامها في الغش، ودفع جامعات وهيئات تعليمية إلى حظرها أو تطوير أساليب تقييم أكثر دقة. لكن بعض المؤسسات تبنت نهجا معاكسا، حيث استخدمت ChatGPT كوسيلة تعليمية تحت الإشراف لتحسين الفهم والكتابة. كما أثر ChatGPT على طريقة البحث والاستهلاك الرقمي، إذ بات المستخدمون يحصلون على إجابات مباشرة دون الحاجة لزيارة المواقع، وهو ما أحدث اضطرابا في نماذج عمل الناشرين. كما بدأ كتاب وفنانون باستخدامه كأداة للعصف الذهني وصياغة المسودات، دون أن يحل محل الإبداع البشري.
أما في سوق العمل، فقد أظهرت الدراسات أن ChatGPT رفع إنتاجية الموظفين وساهم في تقليص فجوة الأداء بين ذوي الخبرة والمبتدئين، خصوصا في الأعمال المعرفية والمكتبية. كما تبنت شركات عملاقة الأداة بشكل واسع، بينما بدأت بعض الوظائف بالانحسار، لا سيما تلك المرتبطة بالمهام الروتينية. كما ظهرت وظائف جديدة مثل “مهندس التوجيهات (Prompt Engineer)”، وأصبح امتلاك مهارات استخدام الذكاء الاصطناعي ميزة مطلوبة في السير الذاتية.
لقد أعاد ChatGPT رسم حدود التعليم والعمل والبحث، فمن جهة وفر فرصا هائلة لتحسين الكفاءة، لكنه أوجد في المقابل تحديات حقيقية تتطلب استجابات مرنة من الأنظمة التعليمية وسوق العمل لضمان التوازن والاستفادة المستدامة من هذه الأداة الرقمية.

صعود بالأرقام: 700 مليون مستخدم واعتماد من كبرى الشركات
ترسخ ChatGPT كأحد أعمدة الذكاء الاصطناعي الحديثة بحول العام 2025 ، مدعوما بأرقام قياسية عكست مدى تغلغله عالميا. فقد قفز عدد مستخدميه إلى 700 مليون، يعالجون يوميا نحو 2.5 مليار طلب، وحقق تطبيقه على الهواتف أرقام تنزيل قياسية. هذه القاعدة الضخمة واكبتها استثمارات هائلة رفعت قيمة OpenAI إلى نحو 90 مليار دولار، مع إيرادات متوقعة تقارب 20 مليارًا بنهاية العام. على مستوى المؤسسات، تعتمد 92% من شركات Fortune 500 على منتجات OpenAI، فيما توسع استخدامه في التعليم والطب والتطبيقات الاحترافية. ومع أن 76% من الجمهور أعربوا عن قلقهم من المعلومات المضللة، رأى 97% من رواد الأعمال فيه أداة مفيدة وفقا لدراسات علمية. لتؤكد هذه الأرقام أن ChatGPT لم يكن مجرد موجة عابرة، بل تحول إلى مكون أساسي في البنية الرقمية العالمية، يعيد رسم العلاقة بين الإنسان والآلة في إنتاج المعرفة وصناعة القرار.

تصورات لم تتحقق… بين المبالغات وسوء الفهم
رغم الإنجازات الكبيرة لـChatGPT، أظهرت تجربة السنوات الأخيرة أن بعض التوقعات حوله كانت سابقة لأوانها أو مبالغا فيها. لم يتحول إلى بديل للعقل البشري كما تخيل البعض، إذ لا يمتلك الوعي أو الفهم الحقيقي، بل يعتمد على أنماط لغوية دون إدراك، ويظل عرضة لأخطاء معرفية ومنطقية. فالتهديد لا يكمن في الغاء الحاجة للوجود البشري، بل تبيّن أن الأخطار الأكثر واقعية تتعلق بسوء الاستخدام البشري، كنشر المعلومات المضللة. أما من الناحية الاقتصادية، فالإنتاجية لم تقفز بالشكل التلقائي، بل ظهرت حاجة واضحة للتدريب والتكامل المدروس مع بيئات العمل، في ظل تحديات تتعلق بجودة المحتوى والاعتماد الزائد على الآلة. كما أنه لم يكن نموذجا محايدا تماما كما افترض البعض، إذ أظهر أحيانا انحيازات ناتجة عن بياناته، وأخفق في التعامل المثالي مع بعض المواضيع الحساسة. ففي نهاية 2025 أظهر أنه أداة قوية بإمكانات واعدة لكنها ليست عصا سحرية، بل أداة تتطلب استخداما مسؤولا وإدراكا لحدودها لضمان الاستفادة المثلى منها مستقبلا.
لقد كان العام الثالث لـChatGPT حافلا بالتطورات والجدل والإنجازات. نقلتنا هذه التقنية من مرحلة الدهشة الأولى في 2022–2023 إلى مرحلة الواقعية في 2024–2025: صرنا ندرك نقاط قوتها وضعفها بشكل أعمق، وبدأنا عملية دمجها الواعي في حياتنا وأعمالنا. والمؤكد أننا نقف فقط على أعتاب عصر أوسع من الذكاء الاصطناعي، ففي الأفق تلوح نماذج أحدث GPT-5 وما بعده قد تجعل ما حققه ChatGPT حتى الآن يبدو متواضعا. بيد أن تجربة ChatGPT ستبقى علامة فارقة – فهو النموذج الذي قرّب الذكاء الاصطناعي من عامة الناس وجعله حديث الساعة في كل بيت ومؤسسة. ويبقى التحدي أمامنا جميعا: كيف نستفيد من هذا “العقل الاصطناعي” لترقية عقولنا البشرية، لا استبدالها.



