حمّام منبج الأثري… شاهدٌ عثماني على ذاكرة المدينة

عبد الفتاح حمود – مراسلين
منبج – سوريا – تقع مدينة منبج في الشمال الشرقي من محافظة حلب في سوريا وتعدّ واحدة من أقدم مدن المنطقة وأكثرها غنى بالتاريخ والآثار. تمتاز بطابعها الزراعي والتجاري، وبموقعها الحيوي الذي يتوسط الطرق القديمة بين بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، الأمر الذي جعلها محطةً للقوافل، ومركزًا أساسيًا للتبادل التجاري والثقافي عبر العصور لقربه من نهر الفرات
وتضم منبج عددًا من الأحياء الشعبية القديمة مثل حارة عينتاب وحي التبّة، إضافة إلى مجموعة من الخانات والأسواق والبيوت التراثية التي تمنحها طابعها العمراني الخاص.
وفي قلب هذه المدينة العريقة، وبين حاراتها الضيّقة وظلال الجامع الحميدي الكبير، يقف حمّام منبج الأثري كإحدى أبرز الشواهد المعمارية التي حفظت ذاكرة المدينة، محافظًا على حضوره لأكثر من قرن من الزمن.
يعود تاريخ بناء الحمّام إلى عام 1332 هـ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، متزامنًا مع بناء الجامع الحميدي الكبير. وقد أُنشئ في فترة لم تكن الحمّامات منتشرة في البيوت القديمة، مستفيدًا من موقع منبج الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة.

موقع فريد وسط التاريخ
يقع الحمّام في مركز المدينة القديمة، محاطًا بأبنية ذات قيمة تاريخية بارزة، من بينها الأبنية الفرنسية التي شُيّدت إبّان فترة الانتداب مثل السرايا ومنزل القائم مقام ومدرسة البنات القديمة التي بُنيت عام 1925م.
ومنذ تأسيسه، اعتاد أهالي منبج على ارتياده يوميًا؛ حيث كانت ساعات الصباح مخصصة للرجال، وبعد الظهر للنساء.

عمارة ثلاثية الأقسام
يتألف حمّام منبج من ثلاثة أقسام رئيسية بُنيت وفق الطراز العثماني التقليدي:
- القسم الخارجي :
يقع في الجهة الشمالية وتطل بوابته على الساحة العامة.
تعلو المدخل لوحة فخارية تحمل نصًا شاكراً للسلطان على بناء الحمّام، تعبيرًا عن مكانته لدى الأهالي.
ويتوسط هذا القسم بركة ماء تضفي طابعًا مميزًا على المكان قبل الدخول إلى الأقسام الداخلية. - القسم الأوسط:
يُدخل إليه عبر بوابة داخلية تتجه شمالًا، ويتميز بـ:
• سقف أسطواني معقود
• قبّة مزوّدة بقمريات زجاجية تسمح للضوء بالمرور
• حجرات للاستحمام في الجهتين الجنوبية والشرقية
• إجران حجرية وفتحات لخلط المياه
• قنوات فخارية لجر الماء داخل الجدران - القسم الداخلي:
أكثر الأقسام سخونة، ويضم حجرات وإجرانًا حجرية وقبة ذات قمريات.
يمتد الموقد الرئيسي عبر هذا القسم، وهو المسؤول عن تسخين المياه وتدفئة القسمين الآخرين.
وفي الجهة الغربية تقع غرف تخزين الحطب والقبو الخاص بالفرن، إضافة إلى خزانة قديمة لحفظ أدوات التشغيل.

تحفة معمارية وذاكرة حيّة
لم يكن حمّام منبج مجرد مكان للاغتسال، بل كان على مدار عقود طويلة ملتقى اجتماعيًا وثقافيًا لأهل المدينة.
إنه شاهد صامت على مرحلة مهمّة من تاريخ منبج، وعلى الطراز العمراني العثماني الذي حافظ على حضوره رغم تغيّر الزمن.
وبهذه التفاصيل، يبقى الحمّام العثماني واحدًا من أهم معالم منبج ورمزًا لتراثها المعماري والإنساني، يستحق الحفظ والترميم ليبقى شاهدًا حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة.





