
بقلم – اسماعيل أحمد ديوب – صحفي مستقل، باحث في العلوم السياسية
في خطوة غير مسبوقة، أصدرت رئاسة الجمهورية المرسوم رقم (٢٤٤) القاضي بإحداث “الهيئة العامة للمنافذ والجمارك”، الذي ينقل عشر هيئات حيوية من وزاراتها إلى هيكل جديد يرتبط مباشرة بالرئاسة. القرار يثير إشكاليات متعددة تلامس صميم البنية القانونية والاقتصادية للدولة.
هل يتعارض مع القوانين السورية ولماذا؟
يأتي المرسوم في ظل غياب الحياة البرلمانية، ما يطرح تساؤلات حول الشرعية الدستورية لإنشاء كيان بهذا الحجم عبر مرسوم. فانتقال مؤسسات محورية مثل الجمارك من وزارة المالية، والموانئ من وزارة النقل، والمناطق الحرة من وزارة الاقتصاد، إلى الهيئة الجديدة، يمثل إعادة هيكلة جذرية للصلاحيات الوزارية المخولة دستورياً، كما أن القانون الناظم لعملهم السابق يحتاج لقانون يشرعه مجلس الشعب، فلا يعدل ويلغي القانون إلا نظيره.
وفي نفس السياق، تنص المادة (١٦) على “تكليف الهيئة بإعداد الصك التشريعي اللازم لعملها”، في تفويض تشريعي غير مسبوق لهيئة إدارية، كما أن إنشاء “إدارة تفتيش” مستقلة بصلاحيات غير محددة يخلق نظاماً رقابياً موازياً خارج الأطر التقليدية.
وعلى الضفة الثانية، نجد أن المرسوم يمنح الهيئة استقلالاً مالياً كاملاً، مع مصادر تمويل متعددة تشمل:
· صافي الأرباح المحققة
· المساهمات النقدية للدولة
· القروض والتسهيلات الائتمانية
· المنح والهبات
هذا الاستقلال قد يفضي إلى قضم إيرادات الجمارك ( أهم موارد الخزينة العامة) مما يضعف القدرة على التخطيط المالي الشامل.
تحديات اقتصادية وقانونية متشابكة:
من الناحية الاقتصادية:
· انكماش موارد الموازنة العامة بفصل إيرادات حيوية
· صعوبة التخطيط المالي طويل المدى
· إضعاف الشفافية في إدارة المال العام
· تحول الموارد السيادية إلى إطار شبه تجاري
من الناحية القانونية:
· تجاوز الاختصاصات الوزارية الدستورية
· تفويض السلطة التشريعية لهيئة إدارية
· غياب الضوابط الرقابية الواضحة
· ازدواجية قانونية بين النظام القديم والجديد
دمج مؤسسي يهدد التخصصية
يجمع المرسوم بين جهات متناقضة الطبيعة:
· جهات رقابية (كالجمرك)
· جهات خدمية (كالموانئ)
· جهات استثمارية (كالمـناطق الحرة)
هذا الدمج يخلق تضارباً في المصالح ويضعف الكفاءة التشغيلية، كما يهدد المبادئ الإدارية الراسخة في التخصصية المؤسسية.
يترك المرسوم إشكاليات جوهرية تحتاج إلى معالجة:
· الأساس الدستوري لانزياح الصلاحيات الوزارية
· ضمانات حماية المال العام في ظل الاستقلال المالي
· آليات التوفيق بين المصالح التجارية والمسؤولية الوطنية
· سبل الحفاظ على الشفافية والمحاسبة في ظل النظام الجديد
اختبار للنظام الإداري والمالي
تمثل الهيئة الجديدة اختباراً للنظامين الإداري والمالي في سوريا، حيث تثير تساؤلات حول:
· حدود الصلاحيات الرئاسية في إعادة الهيكلة
· قدرة الأطر القانونية على استيعاب هذا التحول
· مدى حماية المصالح الاقتصادية العليا للدولة
فمع بدء عمل الهيئة، تدخل سوريا مرحلة جديدة من الغموض على المستويين القانوني والاقتصادي. فصل الإيرادات السيادية عن الخزينة العامة، وانزياح الصلاحيات الدستورية، يخلقان نموذجاً غير مسبوق في إدارة موارد الدولة، وسط تحدي تحقيق التوازن بين المرونة التشغيلية والضوابط الدستورية والمالية.



