انسحابات غامضة، وفوضى تبتلع المناطق الشرقية في اليمن

ضيف الله الطوالي – مراسلين
اليمن – لم تكد تهدأ عاصفة السيطرة العسكرية لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة سيئون ووادي حضرموت شرقي اليمن، حتى اشتعلت النيران مجدداً صباح اليوم السبت في أقصى الشمال الشرقي للمحافظة، راسمة مشهداً معقداً من الفوضى، والتحالفات المتبدلة، وتصفية الحسابات السياسية والعسكرية، وسط اتهامات متبادلة ومخاوف من انزلاق المنطقة نحو المجهول.
انهيار “حرس الحدود”
في تطور لافت يخلط الأوراق العسكرية على الشريط الحدودي، استيقظت صحراء “رماه” المحاذية للسعودية اليوم على وقع هجوم شنه مسلحون قبليون – ينتمي جلهم لقبيلة “آل المناهيل” – انتهى بسيطرتهم الكاملة على معسكر اللواء 11 حرس حدود. ووفقاً لمصادر محلية، جاء السقوط بعد مناوشات استمرت لأيام، حيث آثر قائد اللواء، اللواء الركن فرج حسين العتيقي، الانسحاب مع مرافقيه صوب مدينة شحن بمحافظة المهرة المجاورة “حقناً للدماء”، تاركاً المعسكر ومحتوياته عرضة للنهب والسلب من قبل المسلحين. هذا التطور يأتي في وقت حساس، حيث كان العتيقي قد طالب بإسناد عسكري لم يصله، رغم إبدائه مرونة تجاه الترتيبات الجديدة في المنطقة عقب سقوط المنطقة العسكرية الأولى.

سيئون.. رعب وانتقام
وبالعودة إلى قلب الوادي، تعيش مدينة سيئون لليوم الرابع حالة من “الانفلات الأمني والرعب”، بحسب تقارير حقوقية وشهادات محلية. فبعد دخول قوات المجلس الانتقالي القادمة من الضالع ولحج، تحولت المدينة إلى مسرح لانتهاكات طالت العسكريين والمدنيين على حد سواء. وتشير المعلومات الميدانية إلى حملات مداهمة ونهب لمنازل مواطنين ومسؤولين، وتداول نشطاء مقاطع مرئية صادمة، منها استغاثة لضابط مسن مصاب يطلب “الإسعاف أو الإجهاز عليه”، في مشهد يعكس قسوة التعامل مع الخصوم رغم عدم مقاومتهم. كما وثقت شهادات أخرى حالات طرد لعائلات من منازلها ونهب ممتلكات تجارية، ما حول “النصر العسكري” الذي يروج له الانتقالي إلى كابوس يؤرق السكان المحليين.
“غدر” في حقول النفط
سياسياً وميدانياً، تفجرت الخلافات بين حلف قبائل حضرموت والقوى الجديدة المسيطرة. فقد شن الحلف هجوماً لاذعاً على دولة الإمارات، متهماً إياها بدعم قوات الانتقالي بالطيران المسير للسيطرة على حقول النفط في “المسيلة” ومديرية غيل بن يمين. واعتبر الحلف في بيان له ما حدث “غدراً وعيباً أسود”، مشيراً إلى أنه كان قد بدأ انسحاباً تدريجياً بموجب اتفاق تهدئة رعته السلطة المحلية، ليفاجأ بهجوم مباغت من قوات الانتقالي. وأكد الحلف تمسكه بالدفاع عن أرضه، محملاً التحالف والدول الرباعية مسؤولية ما وصفه بـ”إقحام المنطقة في مربع الصراع”.

المهرة تترقب.. وعدن تودع “التحالف”
تداعيات أحداث حضرموت وصلت صداها سريعاً إلى المهرة، حيث أدانت “لجنة الاعتصام السلمي” ما وصفته بالانتهاكات التي تمارسها القوات السعودية والإماراتية وأدواتها، محذرة من تكرار سيناريو سيئون في المهرة ومحاولات جر المحافظة الآمنة إلى مربع العنف.
وبالتوازي مع هذه التطورات الشرقية، شهدت العاصمة المؤقتة عدن تحولات صامتة. فقد أكدت مصادر إعلامية مغادرة قوات سعودية وسودانية لمواقعها في قصر “معاشيق” الرئاسي وجزيرة “ميون” الاستراتيجية، ونقل معداتها باتجاه الرياض، تزامناً مع تسلم قوات “العاصفة” التابعة للانتقالي زمام الأمور في القصر الرئاسي بعد مغادرة الرئيس العليمي. وفي مؤشر على تصدع العلاقة بين الرياض وحلفائها المفترضين جنوباً، شن الصحفي المقرب من الانتقالي، سعيد بكران، هجوماً غير مسبوق على المملكة، منتقداً “اللجنة الخاصة” السعودية ومطالبتها بانسحاب قوات الانتقالي من الوادي، معتبراً أن “حضرموت لن تعود للوراء” وأن زمن الوصاية قد ولى، في تحدٍ صريح للراعي الإقليمي الأبرز للملف اليمني. بين سقوط المعسكرات، وأنين الضحايا في سيئون، والانسحابات الغامضة في عدن، يبدو أن الخارطة العسكرية والسياسية لشرق اليمن يُعاد رسمها بالنار والبارود، فارضة واقعاً جديداً قد تكون كلفته باهظة على استقرار المنطقة برمتها.



