تقارير و تحقيقات

اليوم العالمي لحقوق الإنسان .. في السودان: شعب يقاتل ليبقى

ممدوح ساتي -مراسلين

لم يكن العاشر من ديسمبر يوماً عادياً في السودان هذا العام.
المناسبة العالمية التي تحتفي بالكرامة وكأنها تُلقي ضوءاً شديد القسوة على بلدٍ يقف على شفير الانهيار الإنساني.
في حين يتبادل العالم خطابات الاحتفاء بالمبادئ السامية، بدا السودان كأنه يرفع يده من تحت الركام، لا بحثاً عن تهنئة، بل ليشهد أمام البشرية أن حقوق الإنسان هنا لا تُنتهك والقانون الدولي الانساني لا يحترم.

هذا البلد الذي وجد نفسه منذ أبريل 2023 أمام آلة حرب بلا ضمير، تقودها مليشيا الدعم السريع التي حوّلت الخرطوم ودارفور والجزيرة وقرى ومواقع سودانية اخرى إلى مسارح مفتوحة لجرائم ممنهجة، موثقة بالصوت والصورة والشهادات.

في ذكرى الحقوق، يكتب السودان نسخته الخاصة من هذا اليوم:
نسخة تروي فيها المدن قصص القهر والنزوح، ويروي شعبٌ صبور كيف يقاتل ليبقى حياً… فقط ليبقى.

انتهاكات تخلع كل أقنعة الحرب

لا تحتاج المأساة السودانية إلى مبالغات؛ فالتقارير الحقوقية نفسها تكاد تكون مرعبة بما يكفي.
منظمات دولية، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وضعت العالم أمام سجلّ طويل من الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، بعضها يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

من بين ما وثّقته التقارير:

  • جرائم اغتصاب استخدم كسلاح لإذلال المجتمعات وتفكيكها.
  • قتلٌ على الهوية واختفاءات قسرية تبتلع المئات في ظلام الأحياء المحتلة.
  • تجنيد اجباري لأطفال في عمر المدارس ودفعهم إلى خطوط النار.
  • تهجير ونهب منظّم وتخريب للأعيان المدنية والقطاعات الخدمية.
  • استخدام لمقذوفات تحتوي على مواد سامة في مناطق مثل الفاشر.

ليست هذه مشاهد حرب عادية؛ إنها مشاهد دولة تُستنزف، ومجتمع يُعاد تشكيله وتهجير سكانه بالارهاب والانتهاكات ونشر الرعب.

كارثة إنسانية تتجاوز قدرة الوصف

في أروقة المنظمات الإنسانية، يتحدث الخبراء عن السودان بعبارات ليست مألوفة حتى في أسوأ الأزمات:
“النزوح الأكبر في العالم”، “احتمال مجاعة واسعة”، “نظام صحي منهار”، “مدن بلا غذاء”.

أكثر من 7 ملايين سوداني تركوا بيوتهم—بعضهم هارب من القصف، وآخرون هاربون من المليشيا نفسها.
وفي دارفور تبدو الحياة اليومية كما لو أنها محاولة مستمرة للنجاة: بحث عن الماء، عن الدواء، عن طريق لا توجد فيه نقطة تفتيش… عن يومٍ آخر في الحياة.

العالم يحتفل… والسودان يطالب بالعدالة

في هذا اليوم الذي يتحدث فيه العالم عن الحرية والكرامة، تبدو مأساة السودان كاختبار أخلاقي قاسٍ:
هل تكفي بيانات القلق؟
هل يمكن للعالم أن يتجاهل هذا القدر من الانتهاكات دون أن يخسر جزءاً من ضميره؟

الدعوات الدولية للمحاسبة تزداد، لكن خطواتها بطيئة ومترددة.
السودان اليوم ليس فقط ضحية حرب، بل ضحية مؤامرة وصمت دولي ثقيل.

شهادة شعب لا ينكسر

على الرغم من كل شيء، ما زال السودانيون يقاتلون ليبقوا.
يقفون في وجه الطغيان والاجرام العابر للحدود ، ويحاولون إنقاذ ما تبقى من حياتهم وبلادهم وكرامتهم.
وفي يوم حقوق الإنسان، يصبح السودان ليس مجرد ملفاً حقوقياً، بل شهادة تاريخية على أن الشعوب —حتى في لحظات السحق— تعرف كيف تدافع عن حقها الأول: حق البقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews