تقارير و تحقيقات

البرهان في الرياض: السودان يعود إلى صدارة الاهتمام الإقليمي

نشوة أحمد الطيب – مراسلين

في توقيت إقليمي بالغ الحساسية وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني وقائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ظهر الإثنين 15 ديسمبر 2025 إلى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية، تعكس عودة الملف السوداني إلى واجهة الحراك الدبلوماسي الإقليمي، بعد أشهر من الجمود السياسي وتصاعد التعقيدات الميدانية.

وتأتي الزيارة في سياق إقليمي مشحون، مع استمرار الحرب في السودان منذ 15 أبريل 2023، وما أفرزته من واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، إلى جانب مخاوف متزايدة من تداعياتها على أمن البحر الأحمر واستقرار القرن الأفريقي.

وبحسب مصادر رسمية، عقد البرهان مساء اليوم نفسه مباحثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في مكة المكرمة، تناولت تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في السودان، ومسارات التعامل الإقليمي مع النزاع، إضافة إلى سبل تنشيط الجهود الدبلوماسية المتعثرة.

مباحثات في توقيت بالغ الحساسية..

مصادر دبلوماسية مطلعة أوضحت أن اللقاء ركّز على قراءة المشهد الميداني السوداني، لا سيما في العاصمة الخرطوم ومناطق التماس الرئيسية، إلى جانب تقييم المبادرات السابقة، وفي مقدمتها مباحثات جدة التي استضافتها السعودية في 17 يونيو 2023 بالشراكة مع الولايات المتحدة.

ورغم أن تلك المحادثات أسفرت حينها عن تفاهمات إنسانية محدودة، فإنها فشلت في تثبيت وقف دائم لإطلاق النار، في ظل غياب الثقة بين الأطراف المتحاربة وتعدد مراكز القرار العسكري.

وتشير تقديرات دبلوماسية إلى أن لقاء الرياض سعى إلى إعادة ضبط المقاربة السياسية تجاه السودان، والبحث عن أدوات أكثر واقعية للتعامل مع نزاع طال أمده وتداخلت فيه الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية.

السودان… أزمة داخلية بتداعيات عابرة للحدود..

لم يعد الصراع في السودان يُنظر إليه باعتباره شأنًا داخليًا معزولًا، بل بات ملفًا إقليميًا بامتياز، نظرًا لموقع البلاد الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر، وارتباط استقرارها بأمن الممرات البحرية والتوازنات في القرن الأفريقي.

ويرى مراقبون أن استمرار النزاع يثير مخاوف من ..
تهديد الملاحة الدولية و تصاعد الهجرة غير النظامية وتوسع الفجوات الأمنية في الإقليم ، وهو ما يفسر، بحسب محللين، حرص السعودية على إبقاء السودان ضمن دائرة الاهتمام الدبلوماسي، انطلاقًا من رؤية تقوم على منع تفكك الدولة والحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في محيط إقليمي شديد الحساسية.

أرقام تشرح عمق المأساة..
وبحسب بيانات أممية حديثة، تجاوز عدد النازحين بسبب الحرب 10 ملايين سوداني بين نازح داخلي ولاجئ خارج البلاد، فيما يواجه ملايين آخرون انعدامًا حادًا للأمن الغذائي، وانهيارًا شبه كامل للخدمات الأساسية.

هذه الأرقام تحضر بقوة في النقاشات الإقليمية، بوصفها عامل ضغط أخلاقي وسياسي يدفع باتجاه البحث عن مخرج، ولو تدريجي، من الأزمة.

محطات مفصلية في مسار الأزمة (2023–2025) ..

اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، لتتبعها سلسلة من المحاولات الدبلوماسية غير المكتملة. ففي 17 يونيو 2023، استضافت جدة أول مسار تفاوضي منظم، لكنه لم يصمد أمام تعقيدات الواقع الميداني.

وخلال النصف الثاني من 2023، فشلت الهدن المتكررة، وتعمقت الأزمة الإنسانية. أما خلال عام 2024، فتراجع الزخم الدولي، قبل أن يعود الملف السوداني تدريجيًا إلى الواجهة مطلع 2025، مع تصاعد القلق الإقليمي من كلفة استمرار الحرب.

وتأتي زيارة البرهان إلى السعودية في 15 ديسمبر 2025 ضمن هذا السياق، باعتبارها محاولة لإعادة فتح المسارات السياسية بعد فترة من الانسداد.

ما الذي يمكن أن تحمله الزيارة؟
تقديرات دبلوماسية ترجّح أن تفتح الزيارة الباب أمام:
بحث تهدئات إنسانية محدودة في بعض المناطق
تنشيط دور الوساطة الإقليمية بقيادة السعودية
مناقشة أطر دعم اقتصادي وإنساني في مرحلة ما بعد التهدئة

غير أن هذه السيناريوهات تظل رهينة بمدى استعداد الأطراف السودانية للانتقال من منطق الحسم العسكري إلى تسويات سياسية مؤلمة لكنها أقل كلفة.

إشارات تتجاوز الثنائية..

تكتسب زيارة البرهان بعدًا يتجاوز العلاقات الثنائية، إذ تعكس سعي القيادة السودانية إلى إعادة التموضع دبلوماسيًا في الإقليم، في مقابل حرص سعودي على لعب دور متوازن، دون انحياز صريح، في أزمة تتشابك فيها المصالح وتضيق فيها هوامش الحل.

ويرى محللون أن الرياض تدرك أن الحل العسكري في السودان محدود الجدوى، وأن أي استقرار مستدام يمر عبر مسار سياسي طويل ومعقد، لكنه يظل الخيار الأقل خسارة.

ملف مفتوح على كل الاحتمالات..

ورغم الحراك الدبلوماسي المتجدد، لا تزال التسوية الشاملة بعيدة المنال، في ظل استمرار القتال وتعدد الفاعلين وتشابك الأجندات.

غير أن زيارة 15 ديسمبر 2025 تعيد السودان إلى صدارة النقاش الإقليمي، وتؤشر إلى أن مرحلة التجاهل قد انتهت، وأن البحث عن مخارج سياسية ولو تدريجية عاد إلى الطاولة.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews