مقالات

الحكومة السودانية بين إدارة الحرب ومتطلبات الدولة

فضل السيد محمد إبراهيم – مراسلين

السودان- لا تُقاس الحكومات في زمن السلم بذات المعايير التي تُقاس بها في زمن الحروب، غير أن هذا الاستثناء لا يمنحها صك إعفاء من المسؤولية، ولا يُبرر الغياب الكامل للأثر التنفيذي. وفي الحالة السودانية، تبدو معضلة الحكم اليوم أكثر تعقيدًا من مجرد شخص رئيس الوزراء أو أسماء الوزراء، إذ تكمن الأزمة الحقيقية في سؤال أعمق: هل تملك الدولة جهازًا تنفيذيًا قادرًا على العمل وسط الحرب؟

منذ تولي د. كامل إدريس رئاسة مجلس الوزراء، لم يتبلور تصور واضح لكيفية إدارة الدولة في ظل النزاع، ولا ظهرت خطة تنفيذية تتعامل مع الواقع القائم كما هو، لا كما يُفترض أن يكون. فالدولة التي تخوض حربًا لا تحتاج فقط إلى خطاب سياسي، بل إلى جهاز تنفيذي مرن، سريع، وممسك بملفات الخدمات، والاقتصاد، والنازحين، والإدارة المحلية.

الإشكال الجوهري أن الجهاز التنفيذي ظل يعمل بذهنية الدولة المستقرة، بينما الواقع يفرض منطق إدارة الأزمات. فالوزارات لم تتحول إلى غرف طوارئ، ولم تُختصر الإجراءات، ولم تُفوض الصلاحيات بشكل يسمح بالتحرك السريع في مناطق السيطرة المختلفة. وهنا لا يتعلق الأمر بندرة الموارد فقط، بل بكيفية إدارتها، وأولويات صرفها، وآليات مراقبتها.

كما أن غياب الرؤية المؤسسية أضعف قدرة الحكومة على مخاطبة الداخل والخارج معًا. ففي الداخل، لم يشعر المواطن بتحسن ملموس في الخدمات أو المعاش، وفي الخارج لم تتشكل صورة واضحة لحكومة تملك برنامجًا قابلًا للدعم أو الشراكة. وبين هذا وذاك، ظل مجلس الوزراء كيانًا إداريًا أكثر منه قيادة تنفيذية للمرحلة.

وفي سياق الحرب، تصبح العلاقة بين الجهاز التنفيذي والمؤسسة العسكرية عنصرًا حاسمًا. فالمطلوب ليس تداخل الأدوار، بل تكاملها؛ جيش يخوض المعركة، وحكومة تؤمّن ظهره بالخدمات، والاقتصاد، والشرعية الإدارية. غير أن هذا التكامل ظل ضعيفًا، ما خلق فجوة يتحمل عبئها المواطن أولًا.

اللافت أن أزمة الأداء لا تبدو ناتجة عن الصراع وحده، بل عن بطء في اتخاذ القرار، وتردد في إعادة هيكلة الدولة بما يناسب الواقع الجديد. فالدول التي نجحت في تجاوز حروبها لم تنتظر نهايتها لتبدأ الإصلاح، بل أعادت تعريف دور الحكومة أثناء النزاع.

في المحصلة، لا يقف د. كامل إدريس في عين العاصفة بوصفه فردًا، بل بوصفه رأس جهاز تنفيذي لم ينجح حتى الآن في التحول من إدارة الدولة على الورق إلى إدارتها في الميدان. والسؤال المفتوح اليوم ليس متى تنتهي الحرب، بل: هل تستطيع الحكومة أن تغيّر أدواتها قبل أن تسبقها الأحداث مرة أخرى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews