لماذا اختارت مجلة «الإيكونوميست» سوريا بلد العام 2025 رغم تاريخها المضطرب؟

علي زم – مراسلين
خلال اختيارها لـ«بلد العام 2025»، لم تسعَ مجلة «الإيكونوميست» إلى اختيار أسعد دولة أو أقواها، بل بحثت عن البلد الذي شهد أكبر قدر من التحسّن. وفي عام حافل بالحروب والأزمات وعدم الاستقرار العالمي، انتهى هذا اللقب إلى سوريا.
و«الإيكونوميست» هي مجلة أسبوعية بريطانية مرموقة تأسست عام 1843، متخصصة في الشؤون الاقتصادية والسياسية والدولية. تُعرف بتحليلاتها العميقة والدقيقة للأحداث العالمية، وتقدم تقارير عن الاقتصاد والسياسة والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، مع تركيز خاص على تأثير هذه المجالات على الأسواق العالمية وصنع القرار السياسي. تشتهر المجلة بأسلوبها النقدي والمستنير في عرض الأخبار، وتحظى بمصداقية واسعة بين صانعي القرار والباحثين والقراء حول العالم.
في موسم عيد الميلاد من كل عام، تعلن مجلة «الإيكونوميست» عن «بلد العام»، ولكن ليس على أساس كونه الأسعد أو الأقوى. فأسعد الدول عادةً ما تكون دولًا اسكندنافية في سباق متوقع ورتيب، أما الأكثر نفوذًا فغالبًا ما تكون إحدى القوى الكبرى. بدلاً من ذلك، يهدف التقرير إلى تكريم الدولة التي حققت أكبر قدر من التحسّن، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو في أي مجال حيوي آخر.
كان عام 2025 عامًا مضطربًا عالميًا؛ إذ أثّر دونالد ترامب على التجارة الدولية وأشعل صراعات دموية في غزة والسودان. ومع ذلك، تمكنت بعض الدول من تجاوز هذه التحديات بنجاح. فقد اختارت كندا رئيس وزراء تكنوقراطيًا معتدلًا بدلًا من شعبوي، ووقفت في وجه ضغوط الولايات المتحدة. وفي مولدوفا، رفض الناخبون حزبًا مواليًا لروسيا رغم التهديدات وحملات التضليل من موسكو. كما نجح ترامب في فرض وقف هش لإطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كما تجاوزت كوريا الجنوبية تهديدًا خطيرًا لديمقراطيتها، حين حاول الرئيس يون سوك-يول فرض الأحكام العرفية وإغلاق البرلمان قبل عام، لكن المشرعين والمحتجين والمؤسسات صمدوا، وفي 2025 تم تقديم الرئيس السابق المخلوع إلى القضاء بتهمة التمرد.
مثال آخر على التصدي لمحاولات زعزعة النظام الدستوري جاء من البرازيل، حيث حكمت محكمة في سبتمبر على الرئيس السابق جايير بولسونارو بالسجن 27 عامًا بعد محاولته البقاء في السلطة عبر الانقلاب، وهو أمر نادر في تاريخ البلاد الذي شهد العديد من الانقلابات. كما تمكنت الحكومة من إبطاء إزالة الغابات في الأمازون والمساهمة في مكافحة التغير المناخي، رغم أن سياسة البلاد الخارجية المائلة إلى الكرملين ألقت بظلالها على سجلها الدولي.
رأت المجلة أن أبرز مرشحين للقب هذا العام كانا الأرجنتين وسوريا، لكن لأسباب مختلفة جذريًا. فالأرجنتين شهدت تحسّنًا اقتصاديًا ملحوظًا تحت قيادة الرئيس خافيير ميلي، الذي أطلق منذ 2023 إصلاحات واسعة لإخراج البلاد من قرن من الركود والدولة المتضخمة. شملت هذه الإصلاحات إلغاء ضبط الأسعار وكبح الإنفاق وإلغاء الدعم الضار، وهي خطوات صعبة ومؤلمة، إلا أن ميلي تمسك بها وحظي بدعم الناخبين، كما قدمت الولايات المتحدة حزمة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار لتفادي أزمة مالية. وحققت الإصلاحات نتائج ملموسة، بانخفاض التضخم من 211% في 2023 إلى نحو 30%، وتراجع معدل الفقر 21 نقطة مئوية، وضبط الميزانية، واتجاه البيزو نحو التعويم، وإزالة معظم قيود رأس المال. مع ذلك، تبقى التحديات قائمة، إذ يترقب أنصار التيار البيروني العودة إذا تعثر ميلي، كما أن للرئيس نقاط ضعف تتعلق بعدم تسامحه مع المنتقدين وانخراطه في فضائح فساد.
أما تحسّن سوريا فكان سياسيًا، حسب المجلة. قبل أكثر من عام، كانت البلاد تحت سيطرة بشار الأسد، وكان تقرير «الإيكونوميست» قد أشار إلى دعم إيران وروسيا لنظامه القمعي صاحب المعتقلات المكتظة بالمعارضين، وإلى سنوات طويلة من الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون سوري، وإلى استخدام الأسد أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة ضد المدنيين، ليفر جراءها أكثر من ستة ملايين شخص من البلاد.
في أوائل ديسمبر 2024، اضطر الأسد للفرار إلى موسكو، وسيطر المعارضون على السلطة بقيادة أحمد الشرع. رغم المخاوف من إقامة حكم جهادي متشدد أو انهيار الدولة، لم يحدث ذلك. فالنساء لم يُجبرن على الحجاب أو البقاء في المنازل، والترفيه مسموح به، وتمكنت الحكومة الجديدة من الحفاظ على وحدة البلاد وإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ودول الخليج، ومع تخفيف العقوبات بدأ الاقتصاد السوري يستعيد نشاطه.
ورغم وجود انتهاكات كبيرة، بما في ذلك المجازر التي نفذتها ميليشيات وعناصر محسوبة على وزارة الدفاع السورية بحق الأقليات في الساحل والسويداء وأسفرتا عن نحو ألفي قتيل، لا تزال سوريا في 2025 أكثر هدوءًا واستقرارًا مقارنة بعام 2024. لم يعد الخوف منتشرًا، والحياة اليومية عادت إلى شكلها الطبيعي نسبيًا لمعظم السكان، وهو ما تعكسه حركة عودة نحو ثلاثة ملايين سوري إلى ديارهم. ومن هنا جاء اختيار المجلة لسوريا «بلد العام 2025».



