جدل العلمانية في فرنسا: فصل موظفات مسلمات في قطاع الصحة بسبب غطاء الرأس الطبي

سارة جودي – مراسلين
فرنسا- أثار قرار مكتب المساعدة العامة – لمستشفيات باريس (AP-HP) بشطب عدد من الموظفات المسلمات من العمل جدلا واسعا في فرنسا، بعد اعتبار ارتدائهن غطاء الرأس الطبي (الشارلوت) مخالفة لقواعد العلمانية المعمول بها داخل المؤسسات الصحية العمومية. وقد اعتبر هذا الغطاء وفق الإدارة، «علامة دينية » عندما يرتدى خارج الحالات التي تفرضها ضرورات العمل.
جاءت هذه القرارات في سياق ما اعتبره المكتب تطبيق دليل العلمانية الصادر عن AP-HP سنة 2025، والذي ينص على أن ارتداء أغطية الرأس المخصصة لغرف العمليات خارج الإطار المهني يمكن أن يفسر كتعبير عن انتماء ديني، ويعد بالتالي سلوكا مهنيا مخالفا. وتؤكد إدارة مستشفيات باريس العامة أنها لا تقوم سوى بتطبيق مبدأ العلمانية الذي يفرض حياد الموظف العمومي داخل المرافق العامة، أسوة ببقية المؤسسات العمومية في فرنسا.
في المقابل، عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) عن «دهشته وصدمة» إزاء هذه القرارات عبر منصة إكس، معتبراً أن العقوبات المتخذة غير متناسبة وغير مبررة، خاصة في ظل ما وصفه بصياغة «غامضة» في دليل العلمانية، من شأنها أن تخلق مناخا من الشك داخل أماكن العمل وتفتح الباب أمام ممارسات تمييزية.
وأوضح المجلس أن الموظفات المسلمات، أو من ينظر إليهن على أنهن كذلك، قد يتعرضن لعقوبات تأديبية خطيرة بسبب ارتداء غطاء رأس طبي يعد لباسا شائعا في الوسط الاستشفائي، في حين يمكن لزميلات أخريات ارتداء الغطاء نفسه دون مساءلة أو تشكيك في الدوافع. واعتبر المجلس أن هذا الوضع يعكس ازدواجية في المعايير ويتعارض مع مبادئ المساواة وعدم التمييز.
وجاء موقف المجلس عقب نشر تحقيقات صحفية في موقعي Mediapart وPolitis، التي سلطت الضوء على حالات لممرضات وموظفات في القطاع الصحي تم فصلهن وشطبهن من العمل بسبب رفضهن نزع غطاء الرأس الطبي، من بينها حالة ممرضة في مستشفى بيتييه – سالبيتريير في الدائرة 13 بباريس.
وأمام ما وصفه بحجم الضرر الذي لحق بالموظفات المعنيات، أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عزمه التوجه إلى مكتب الدفاع عن الحقوق، مطالبا بفتح تحقيق إداري شفاف، ونشر معطيات دقيقة حول عدد حالات الشطب، إضافة إلى سحب الفقرة المثيرة للجدل من دليل العلمانية الخاص بمكتب المساعدة العامة – لمستشفيات باريس.
وتعليقا على هذه القرارت التي وصفتها أطراف سياسية وحقوقية بأنها أفعال معادية للإسلام، انتقدت ماتيلد بانو، رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية في الجمعية الوطنية الفرنسية، ما اعتبرته صمتا رسميا إزاء ما يتعرض له المسلمون في البلاد. وهاجمت بانو موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرة أن غياب ردّ واضح من أعلى هرم السلطة يعكس، بحسب تعبيرها، تجاهلًا متكررًا لانشغالات الجالية المسلمة في ما وصفته بـ«فرنسا ماكرون».
وأضافت أن هذه القضايا لا يمكن فصلها عن السياسات الحكومية العامة المتعلقة بتطبيق العلمانية، والتي ترى أنها تستخدم، في كثير من الأحيان، بشكل انتقائي، ما يؤدي إلى تغذية شعور بالإقصاء والتمييز لدى شريحة من المواطنين. وتأتي هذه الانتقادات في وقت تتزايد فيه الدعوات داخل الأوساط السياسية والحقوقية إلى مراجعة كيفية تطبيق مبدأ العلمانية، بما يضمن احترام الحريات الفردية ومبادئ المساواة وعدم التمييز، ويعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها على اختلاف انتماءاتهم.




