مقالات

سيادة السودان في ميزان الدبلوماسية | قراءة في بروتوكول استقبال أنقرة للفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان

بقلم: أيمن أحمد

​”عندما تتحول التفاصيل الصغيرة إلى رسائل سياسية كبرى”

​هكذا يمكننا قراءة المشهد المهيب لاستقبال رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في القصر الرئاسي بأنقرة. خلف الصور الرسمية والابتسامات الدبلوماسية، تكمن لغة بروتوكولية دقيقة وقواعد صارمة تعكس مكانة السودان الاستراتيجية.
​إليكم تحليل و تفصيل لمراسم الاستقبال التي لخصت قوة الدولة السودانية:

​1. بروتوكول “المرافقة السيادية” وأسبقية الجلوس

في لغة المراسم، السيارة التي تقل الضيف هي مساحة سيادية بامتياز. وفي لفتة تقديرية رفيعة:

​احتلت سيادة السودان “مقعد الصدارة” (الخلفي جهة اليمين)، وهو المقعد المخصص للضيف الأعلى مقاماً.
​رافق السيد رئيس مجلس السيادة في سيارته أحد كبار المسؤولين الأتراك (مرافق الشرف)، ويهدف ذلك لإظهار الحفاوة والاهتمام بالضيف منذ لحظة تحرك الموكب وحتى وصوله لمنصة الاستقبال.
​رفع العلم السوداني على الرفرف الأيمن للموكب، تأكيداً على سيادة الضيف الكاملة.

​2. هيبة النشيد الوطني: “نحن جند الله جند الوطن”
عند وصول القادة إلى منصة الشرف، بدأت اللحظة الأكثر رمزية في البروتوكول الدولية

​عزف السلام الوطني السوداني أولاً: في بروتوكول الاستقبال الرسمي، يعزف نشيد الضيف أولاً كنوع من التكريم والترحيب بالسيادة السودانية على الأراضي التركية، تلاه السلام الوطني التركي.
​وقوف القادة في صمت مطبق أمام سارية الأعلام أثناء العزف هو “الاعتراف الرسمي” المتبادل بهوية وعزة الدولتين.

​3. سيمفونية البساط “الفيروزي”
خلافاً للبساط الأحمر التقليدي، تنفرد تركيا باستخدام اللون “الفيروزي” لاستقبال رؤساء الدول فقط:
​قاعدة اليمين: بعد لقاء الرئيس أردوغان، سار سيادة البرهان عن يمين الرئيس التركي طوال المسافة، وهي قاعدة دولية تمنح “الأولوية المطلقة” للضيف كمركز للحدث.

​4. استعراض حرس الشرف والرموز التاريخية
​تحية “مرحباً عسكر”: بوقار العسكرية السودانية، وقف البرهان لتحية حرس الشرف باللغة التركية، وهو تقليد عريق لا يقدم إلا للقادة السياديين.
​حراس التاريخ: الوقوف أمام 16 جندياً يمثلون الدول التركية التاريخية هو “رسالة سياسية” مفادها أن السودان يستقبل بكل ثقل التاريخ والعمق الاستراتيجي لتركيا.

​5. دبلوماسية “الوفد النوعي” (خلف الكواليس)
نلاحظ في الصور ترتيباً دقيقاً يعكس طبيعة الملفات:

​وجود مدير المخابرات العامة ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية بجانب رئيس الدولة يحول الزيارة من بروتوكول “تشريفي” إلى بروتوكول “عملي” لبحث ملفات الأمن والدفاع والإعمار.
​المصافحات الحارة مع كبار المسؤولين الأتراك هي “دبلوماسية ناعمة” تؤكد وجود ثقة متبادلة تتجاوز التوقيعات الرسمية.

​6. وقفة الشموخ (الختم البروتوكولي)
الوقوف أمام أعمدة المجمع الرئاسي الضخمة مع أعلام البلدين يمثل “الاعتراف السياسي الأسمى”. هذه الصورة هي الوثيقة التي تعلن للعالم أن السودان، بجيشه وقيادته، هو الشريك الاستراتيجي الذي تراهن عليه القوى الإقليمية.

​الخلاصة: إن حجم الحفاوة والتدقيق في هذه التفاصيل البروتوكولية، يؤكد أن الخرطوم وأنقرة انتقلتا من مرحلة “التعاون الدبلوماسي” إلى مرحلة “التحالف الاستراتيجي الكامل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews