شريف فارس – مراسلين
سوريا – تشهد الساحة السورية تطوراً قضائياً لافتاً مع الإعلان عن بدء المحاكمة العلنية للمتهمين في أحداث الساحل السوري التي وقعت في السادس من آذار/مارس 2025 وما تلاها. هذه المحاكمة، المزمع عقدها في قصر العدل بمدينة حلب، تمثّل أول تحرك قضائي موسّع من نوعه يطال متورطين من خلفيات متعددة، وسط متابعة محلية ودولية غير مسبوقة لما اعتُبر أحد أعقد الملفات الأمنية والإنسانية في البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
تأتي الخطوة استناداً إلى تقرير اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق، التي شُكّلت بقرار رئاسي عقب الأحداث. وقد سلّمت اللجنة تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية في تموز الماضي، موثقة 1426 قتيلاً خلال الأحداث، بينهم نساء ومدنيون وعسكريون سابقون، بالإضافة لتحديد 298 شخصاً مشتبهًا بتورطهم في الانتهاكات والاعتداءات.
اللجنة، برئاسة القاضي جمعة العنزي، أجرت عشرات الزيارات الميدانية في مناطق الساحل، وجمعت مئات الشهادات، وأصدرت توصيات بالتحرك نحو إجراءات عدالة انتقالية تشمل المساءلة، وتعويض المتضررين، وملاحقة الفارين من وجه العدالة. وقد أُحيلت بالفعل لوائح أولية بأسماء مشتبهين إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القضائية.
وبحسب المعلومات المتداولة، ستُفتح جلسات المحاكمة أمام الإعلام المحلي والدولي، في خطوة تهدف إلى ترسيخ مبدأ الشفافية وتعزيز الثقة بالمسار القضائي في المرحلة الانتقالية. كما تشمل إجراءات المحاكمة الاستماع إلى الضحايا وذويهم، إضافة لعرض الأدلة التي جمعتها اللجنة خلال تحقيقاتها.
وتشير مصادر قضائية إلى أنّ المتورطين ينحدرون من خلفيات متعددة، بينهم مدنيون، وعسكريون، وعناصر ينتمون لفلول النظام المخلوع شاركوا في عمليات اقتحام ونقاط أمنية خلال الأحداث. ومن المتوقع أن تتوسع لوائح الاتهام لاحقاً مع استمرار التحقق من إفادات جديدة يجري تلقيها من سكان المناطق المتضررة.
تمثل المحاكمة العلنية للمتهمين بأحداث الساحل نقطة تحول في مسار العدالة السورية، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المساءلة وإعادة الاعتبار للضحايا. وبينما تتجه الأنظار نحو قصر العدل في حلب، يبقى الرهان الأكبر على قدرة المؤسسة القضائية على إنجاز محاكمة نزيهة، شاملة، وشفافة، تُعيد الثقة بالمؤسسات وتؤسس لمرحلة أكثر استقراراً وعدلاً في البلاد.
