
بقلم/ أبوبكر إبراهيم اوغلو
بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا، لا تزال تل أبيب منقسمة في تقييمها للرجل والنظام الجديد. فبينما تحضر بقوة صورة «الجهادي السابق» في الذاكرة الأمنية الإسرائيلية، تفرض الوقائع الإقليمية والدولية قراءة أكثر براغماتية تضع الشرع في خانة «المخاطرة المحسوبة» بدل العدو المطلق.
في الخطاب الأمني الإسرائيلي، ووفق دراسة حديثة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، يُنظر إلى الشرع باعتباره قائدًا براغماتيًا أكثر منه شخصية أيديولوجية عقائدية. ورغم تشكيك شائع في صدقية تحوّله، فإن السياسات التي انتهجها منذ 2017، خصوصًا داخل «هيئة تحرير الشام»، عززت قناعة لدى دوائر بحثية واستخبارية بأنه يتصرف وفق منطق البقاء في السلطة، لا وفق أجندة جهادية أممية.
مع ذلك، لا تبدي إسرائيل ثقة كاملة بالرئيس السوري الجديد. فهشاشة الدولة السورية، وتعدد الميليشيات، وبناء جيش أقرب إلى كونه «كونفدرالية فصائل مسلحة»، كلها عوامل تجعل قدرة الشرع على فرض التزامات أمنية موضع شك حقيقي. كما أن قضايا الأقليات، لا سيما الدروز في السويداء، تعمّق القلق الإسرائيلي من تفكك داخلي قد يفتح المجال أمام فاعلين أكثر تطرفًا أو يمنح إيران فرصة للعودة إلى الساحة السورية.
ورغم هذه الشكوك، توصل جزء مؤثر من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى استنتاج مفاده أن إبقاء النظام السوري ضعيف قد يكون أقل كلفة من فراغ أمني أو عودة محور إيران–حزب الله إلى دمشق. من هنا، بدأ يظهر داخل إسرائيل تيار يدعو للتحول من سياسة الضربات الاستباقية الواسعة إلى خيار التسوية الأمنية المحدودة، برعاية أمريكية، تضمن هدوء الجبهة الشمالية دون الحاجة إلى وجود عسكري إسرائيلي دائم داخل سوريا.
تقوم هذه الرؤية الإسرائيلية على معادلة واضحة: انسحاب تدريجي إلى خطوط فصل القوات لعام 1974، مقابل نزع السلاح في جنوب سوريا، وضمانات لحماية الدروز، والتزام سوري بمنع أي تموضع إيراني جديد. وفي المقابل، تعتمد إسرائيل على تفوقها الاستخباري والتكنولوجي بدل السيطرة الميدانية المباشرة، ما يخفف العبء العسكري ويتيح تركيز الجهد على جبهات أكثر تعقيدًا مثل إيران وغزة.
غير أن هذا المسار لا يخلو من المخاطر. فتل أبيب تخشى أن تفرض واشنطن إيقاعًا تفاوضيًا لا يراعي بالكامل حساباتها الأمنية، كما تخشى أن يؤدي انهيار داخلي في سوريا إلى نسف أي اتفاق مستقبلي. لذلك، لا تنظر إسرائيل إلى الشرع كشريك سلام، بل كقناة اضطرارية لإدارة مرحلة انتقالية إقليمية أوسع.
في المحصلة، يبدو أن النظرة الإسرائيلية لأحمد الشرع لم تعد أحادية أو جامدة. فهو ليس حليفًا، لكنه أيضًا لم يعد «العدو الجهادي المطلق» الذي لا يمكن التعامل معه. بين الشك والحاجة، وبين الردع والتسوية، تتحرك السياسة الإسرائيلية تجاه دمشق، مدفوعة بإدراك أن سوريا ما بعد الأسد قد تكون ساحة اختبار جديدة لقدرة إسرائيل على تحويل الأمن من إدارة بالقوة إلى إدارة بالسياسة – ولو مرحليًا.



