تخليدا لذكرى الشاعر اليمني” المقالح” .. ميلاد المهرجان الشعري الأول رغم العتمة

فردوس الكاملي- خاص مراسلين
قالها المقالح من قبل، وهكذا تقولها عائلته بعد وفاته
“سنظل نحفر في الجدار
إما فتحنا ثغرة للنور
أو متنا على وجه الجدار”
هكذا تبدو الحياة في صنعاء، عروس المساء، بعد سنوات من الحرب؛ انطفأت أنوارها، واختنقت فيها روح الفنان والأديب والشاعر.
وتأتي ذكرى وفاة شاعرها الكبير، وأبي الحركة الثقافية والفنية، الدكتور عبد العزيز المقالح، في مهرجان المقالح الشعري الأول الذي انعقد يوم الخميس الموافق 27 نوفمبر، باعثًا الحياة في ما تبقى من الإرث الثقافي اليمني.

وكما أشار الشاعر يحيى الحمادي، تلميذ الدكتور المقالح وحامل رايته، ورئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان، فإن الثقافة هي آخر ما يسقط في حياة الأمم، واليمن اليوم بحاجة إلى أصوات حقيقية وجادّة تعيد التوازن وتقاوم تشوّهات الواقع، حتى لا ينهار هذا العمود الأخير، فالشعر لطالما كان مصدرًا للدفء وحارسًا لحرارة الجسد الوطني، وحاديًا في كل مراحل التحولات الوطنية الكبرى، ومقاومًا للسطحية، وصائنًا لما تبقى من ملامح هذا البلد.
وهكذا وُلدت فكرة إحياء ذكرى المقالح كبيّدق يحرس آخر ما تبقى في ذاكرة الإنسان اليمني، غير أنها لم تنل أي اهتمام من السلطة الحاكمة في زمن الظلام الذي تعيشه البلاد.
وفي مواجهة كبيرة مع الوضع الكارثي في اليمن، يؤكد الحمادي أنه لا يوجد دعم رسمي أو مؤسسي لإحياء هذا المهرجان، عدا بعض الجهات التي قدّمت تفاعلًا معنويًّا محدودًا، بينما وقع العبء العملي والتنظيمي بالكامل على أسرة المقالح، وهو ما يمنح نجاح هذا المهرجان قيمة مضاعفة.

ومع رغبة الإنسان اليمني في الحياة، نجد أن الفعالية حظيت بتفاعل جماهيري لافت فاق التوقعات؛ إذ حضر الجمهور بروح عالية حملت تقديرًا للمقالح ورسالته. وقد شكّل هذا الحضور اعترافًا جماعيًا بأهمية الفعالية، وتجسيدًا لروح المقالح التي ما تزال تجمع المواهب تحت جناحها، وتوحّد القلوب حول إنسانيته وإرثه الأدبي.
وبالنظر إلى ما يمثّله المقالح من مرجع روحي وثقافي، وصوت حكيم رافق اليمن في أحلك ظروفها، فهو المعلم الذي لم يتخلَّ يوماً عن دعم المواهب وتوجيهها، حتى لا نكاد نجد مبدعًا لا يحمل في قلبه موقفًا نبيلًا ومعروفًا كبيرًا له. لقد كان قلبه — كحرفه — فضاءً رحبًاً احتضن الجميع دون استثناء.
كيف يبدوا المشهد الثقافي اليوم ..ولمَ مهرجان المقالح؟!
قد لا يدرك غيرُ اليمني أهميةَ هذا المهرجان ولا الرسالة التي يحملها، غير أن الشاعر يحيى الحمادي يوضح سبب هذه الأهمية، فاليمن، رغم ما يمرّ به من أوضاع، ما يزال قادرًا على إنتاج الجمال، وما يزال الشعر يمتلك قدرته على التنفس والغناء. كما أرادت أسرةُ المقالح واللجنةُ التحضيرية إبرازَ إرث الدكتور عبد العزيز المقالح، والتأكيد أن إرثه أكبر من أن تطاله محاولاتُ التغييب والنكران، وأن الشعر ضرورةٌ لبقاء هذا البلد حيًّا وفاعلًا ومتمسكًا بهويته الثقافية والوطنية.
ويؤكد الحمادي أن هذا المهرجان يساهم في إعادة الاعتبار للشعر بوصفه ركيزة من ركائز الهوية اليمنية، كما يذكّر بالإرث الثقافي الممتدّ من امرئ القيس حتى المقالح والبردوني.
إن اجتماع شعراء اليمن حول إرث بهذه القيمة يفتح مسارًا طبيعيًا للحركة الشعرية، سواء في النقد أو القراءة أو التواصل أو اكتشاف المواهب، ويعيد الروح إلى الذائقة الشعرية.
ويؤكد الحمادي أن هذا المهرجان يساهم في إعادة الاعتبار للشعر بصفته ركيزة من ركائز الهوية اليمنية، كما يذكّر بالإرث الثقافي الممتد من امرئ القيس حتى المقالح والبردّوني، إن اجتماع شعراء اليمن حول إرث بهذه القيمة يفتح مسارًا طبيعيًا للحركة الشعرية، سواء في النقد أو القراءة أو التواصل أو اكتشاف المواهب، ويعيد الروح إلى الذائقة الشعرية.
ماذا بعد المهرجان؟
إن التفاعل الوجداني المتدفق من كل يمني داخل البلاد وخارجها وضع تساؤلًا محزنًا: ماذا بعد؟ كيف سيكون مستقبل هذا المهرجان في ظل هذه الأوضاع التي سحقت الإنسان اليمني؟ إلا أن عائلة المقالح وتلامذته من شعراء وأدباء اليمن وقفوا موقف الشرف والمسؤولية تجاه إرث هذا البلد المتهدّج.
وقد أوضح لنا الشاعر يحيى الحمادي أن المقالح ليس مجرد شاعر يمني، بل صوت عربي وإنساني له مكانته وتأثيره، وأن تاريخه المشرّف يسمح — بكل جدارة — بأن يتحول المهرجان إلى فعالية عربية واسعة يشارك فيها شعراء ونقاد من مختلف الدول، ليغدو موسمًا ثقافيًا يحتفي بالشعر على مستوى اليمن والمنطقة، وهو هدف يتطلب شراكة حقيقية من الجهات الرسمية والخاصة.
وتؤكّد أسرةُ المقالح أنها ستظلّ راعيةً لهذه الفعالية مادياً ومعنوياً، في التزامٍ أخلاقي كان من المفترض أن تضطلع به الجهات المعنية، وفاءً لرجل قدّم حياته كلّها خدمةً للوطن وقضاياه.
وفي ختام حديثه لشبكة “مراسلين”، أكد الشاعر يحيى الحمادي أن المقالح ليس مسؤولية أسرته وحدها، ولا مجرد ذكرى عابرة يمكن تجاوزها، بل مشروع ثقافي حيّ يستوجب من الجهات الحكومية والخاصة الالتفات إليه. فالثقافة لن تنطفئ ما دام هناك من يؤمن بها، ودعا الجميع إلى دعم هذا المهرجان في دوراته القادمة حتى يليق باسم اليمن والمقالح؛ فهو ليس احتفالًا بشاعر فحسب، بل دفاعٌ عن الهوية اليمنية وروحها المتجذّرة.
يذكر أن الدورة الأولى للمهرجان استقبلت أكثر من 300 قصيدة، بينها 70 قصيدة لشعراء عرب، وبحسب رئاسة اللجنة التحضيرية للمهرجان تم اختيار ما يقارب 50 قصيدة استوفت الشروط واستحقت الوقوق على منصة المهرجان.

ويأتي المهرجان تخليدا لذكرى الشاعر والأديب اليمني الكبير عبد العزيز المقالح الذي وافته المنية أواخر عام 2022. بعد تاريخ حافل بالشعر والأدب والدراسات النقدية، فقد كتب أكثر من 18 ديواناً شعرياً قدّم فيها تجارب متنوعة، من الكلاسيكية، إلى الحداثة، منها ، الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن، يوميات يمانية في الأدب والفن، وشعر العامية في اليمن، قراءة في أدب اليمن المعاصر، أصوات من الزمن الجديد، أزمة القصيدة الجديدة، الزبيري ضمير اليمن الوطني والثقافي، قراءات في الأدب والفن، قراءة في كتب الزيدية والمعتزلة، عبد الناصر واليمن، تلاقي الأطراف، عمالقة عند مطلع القرن، الحورش الشهيد المربي،الوجه الضائع، دراسات عن الأدب والطفل العربي
وشعراء من اليمن، وغيرها من الكتابات الأدبية والنقدية.





