محادثات تمهيدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا: بداية مسار جديد في علاقات العداء التاريخي

شبكة مراسلين
كتب: عماد بالشيخ – صحفي و محلل سياسي
في خطوة دبلوماسية مفاجئة تُعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، كشفت مصادر أميركية وإسرائيلية لموقع Axios عن انخراط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في “محادثات تمهيدية” مع كل من إسرائيل وسوريا، تهدف إلى وضع إطار أولي لاتفاق أمني بين الدولتين اللتين عاشتا عقودًا من العداء والصراع.
خلفية تاريخية متقلبة
لطالما شكّلت الحدود السورية-الإسرائيلية أحد أكثر الخطوط اشتعالًا في الشرق الأوسط منذ عام 1948، مرورًا بحرب 1967 التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ثم اتفاقية فك الاشتباك عام 1974. غير أن انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي على يد فصائل مسلحة بقيادة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، فتح صفحة جديدة قد تحمل معها إمكانيات لتحول تاريخي في العلاقة بين الجانبين.
التحرك الأميركي: حذر وتدريجي
وفقًا لمسؤول أميركي رفيع، فإن إدارة ترامب تتبنى نهجًا “تدريجيًا” يقوم على بناء الثقة وتعزيز العلاقات الأمنية، دون الاندفاع نحو تطبيع كامل في المرحلة الحالية. وقال المسؤول: “نحن في مرحلة تقشير البصلة، الدبلوماسية لا تحدث بين ليلة وضحاها.”
وتشير المعطيات إلى أن المسؤول عن هذا المسار هو مبعوث ترامب الخاص إلى سوريا، توم باراك، الذي بدأ منذ يونيو الماضي اتصالات غير مباشرة مع مسؤولين سوريين، بالتوازي مع تنسيق مستمر مع القيادة الإسرائيلية.
الموقف الإسرائيلي: تطبيع مقابل انسحاب
من جهته، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتمامًا متزايدًا بإعادة صياغة العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، عبر سلسلة من الاتفاقات المرحلية تبدأ بتحديث اتفاقية 1974، وتنتهي – كما يأمل – بتطبيع كامل وسلام رسمي.
لكن إسرائيل، التي سيطرت بعد سقوط نظام الأسد على مناطق واسعة داخل سوريا، بما في ذلك الجانب السوري من جبل الشيخ، تعتبر هذه السيطرة ورقة ضغط تفاوضية رئيسية، حيث أكد مسؤولون إسرائيليون أن الانسحاب لن يكون مطروحًا إلا مقابل تطبيع شامل وتوقيع اتفاق سلام دائم.
قنوات متعددة للتفاوض
تشير التقارير إلى وجود أربع قنوات رئيسية للتواصل بين إسرائيل وسوريا:
- مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي
- مدير جهاز الموساد دافيد برنيا
- وزير الخارجية جدعون ساعر
- الجيش الإسرائيلي للتنسيق الميداني والعسكري
ويأمل الجانب الإسرائيلي أن تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط النشط، معتبرًا أن انخراط واشنطن سيمنح الحكومة السورية دافعًا أكبر للانخراط الجاد في العملية.
العقبة الأكبر: الجولان
رغم الأجواء الإيجابية النسبية، لا تزال قضية هضبة الجولان تمثل التحدي الأكبر أمام أي مفاوضات حقيقية. إذ تطالب دمشق تاريخيًا بانسحاب كامل من الجولان، بينما تصر تل أبيب – خاصة بعد اعتراف إدارة ترامب بالجولان كجزء من إسرائيل عام 2019 – على أن هذا الملف غير قابل للنقاش.
وأكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن “هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية في أي تسوية مستقبلية.”
نظرة إلى المستقبل
يتوقع أن يزور نتنياهو واشنطن خلال الأسابيع المقبلة لمناقشة هذا الملف الحساس مع الرئيس ترامب وكبار المسؤولين الأميركيين، في حين من المنتظر أن يتطرق وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، إلى هذا الموضوع خلال زيارته الجارية للعاصمة الأميركية.
إذا نجحت هذه المحادثات في الانتقال من الإطار التمهيدي إلى مفاوضات رسمية، فقد نشهد ولادة أول اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل منذ عقود، في ظل خريطة إقليمية تتغير بسرعة، واصطفافات دولية جديدة تفرض وقائع مغايرة على الأرض.
المصدر: Axios – تقرير الصحفي باراك رافيد
نُشر بتاريخ: 30 يونيو 2025